يتوهم البعض أن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لأى دولة لابد أن ينعكس بالضرورة على سعادة الشعوب، بينما تؤكد الحقائق المجردة أنه لا توجد علاقة أو تأثير مباشر بينهما، لأن إجمالي الناتج المحلي يعطينا فكرة عامة فقط عن النمو الاقتصادي للدولة، وعادة ما يترافق هذا النمو مع انتعاش فرص التوظيف وازدياد الثروة، إلا أن هذا المعيار لا يعطي فائدة نهائية حول ما إذا كان هذا النمو مستداما أم مؤقتا، وما إذا كان سيسبب ضررا اقتصاديا على المدى المتوسط أو الطويل؟.
على سبيل المثال، إذا كانت الأنشطة التجارية الموازية وغير النظامية تمثل جزءاً كبيراً من إجمالي الناتج المحلي، فإن المؤسسات المالية لن تتمكن من السيطرة على الدورة الاقتصادية وتأمين السير الصحيح لعجلة الاقتصاد، وتغطية النفقات الحكومية، إضافة إلى ذلك، فإن إجمالي الناتج المحلي مؤشر مادي بحت، لا يمكّننا من قياس جودة الحياة في بلد معين، أو مدى سعادة وراحة المواطنين، كما أن هذا المؤشر لا يأخذ في الحسبان المعيار البيئي، والتبعات السلبية للنشاط الاقتصادي التي ستكلف أموالا طائلة في المستقبل.
تواجه بعض الدول اتهامات بالكذب والتلاعب بأرقام الناتج المحلي، بهدف تقديم صورة مغلوطة حول واقعها الاقتصادي، رغبة منها في خداع الدائنين والمستثمرين حتى لا يفكروا في سحب أموالهم، واللافت في الأمر، أن كل الدول تقريبا واجهت في بعض الفترات شبهة تزييف الأرقام، حتى الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى الأرجنتين والعديد من الدول الآسيوية، أما في الاتحاد الأوروبي، فالأمر مختلف لأن حساب إجمالي الناتج المحلي يخضع لرقابة دقيقة وموثوقة من المكتب الأوروبي للإحصاء.
بالرغم من أن إجمالي الناتج المحلي يعتبر واحداً من أكثر المعايير استخداما في مجال الاقتصاد الكلي، إلا أن هذا المصطلح كثيرا ما يساء فهمه أو يستخدم في غير سياقه، وهو واحد من التخصصات الاقتصادية التي تهتم بدراسة المؤشرات الكبرى، التي تدخل ضمن المحاسبة العامة للدول، مما يجعله ضروريا لفهم العلاقات الاقتصادية بين الدول، ولا يعد تقديره مهمة سهلة، إذ أنه توجد العديد من المقاربات المستخدمة لقياس عدد العمليات التجارية، وخصم الرسوم والضرائب والإعانات والدعم من هذا المبلغ الإجمالي، كما أنتعديلات التضخم المالي يجب أخذها في الحسبان حتى تكون النتيجة أقرب ما يمكن للواقع.
وبعد القيام بكل هذه الحسابات، يمكن أن نتحصل على تقييم دقيق لإجمالي الناتج المحلي، يتضمن حتى أرقام العمليات الموازية التي تمت بشكل غير نظامي، إلى جانب العمليات القانونية، ورغم ضعف هذا المعيار، إلا أن إجمالي الناتج المحلي يبقى ضروريا لفهم الأداء الاقتصادي لمختلف دول العالم، بالإضافة إلى أنه توجد بعض البدائل مثل إجمالي الناتج المحلي الأخضر الذي يقوم بخصم كلفة الضرر البيئي الذي يسببه استغلال الموارد الطبيعية.
على ما يبدو، فإن الحل الأسهل يكمن في تبني أنواع مختلفة من الأرقام والإحصاءات، للحصول على فكرة عامة وأكثر موثوقية، مثل مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس دخل الفرد، ومستوى التعليم، وأمل الحياة عند الولادة، والحرية، والثقة، والاستقرار الاجتماعي والأمني، ومؤشر جيني الذي يقيس الفرق بين الأثرياء والفقراء في بلد معين، ويقدم رقما يتراوح بين صفر ومئة، وكلما اقترب الرقم من الصفر فإن هذا يعني الاقتراب من المساواة، وإذا اقترب الرقم من المئة فإن هذا يعكس مدى التفاوت الاجتماعي.
خاص_الفابيتا