نشرت هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية مقطع فيديو لا تتجاوز مدته 2:44 فقط، الذي يستحق أن يكون واحدا من أهم وأذكى الرسائل الإعلامية للأجهزة العامة لدينا، التي أوضحت باختصار شديد وواضح كل الوضوح، الأهداف الرئيسة للاعتماد في نشاطاتنا الاقتصادية المختلفة على المحتوى المحلي المتوافر في الأصل، والاستغناء عن المحتوى المستورد من الخارج المنافس!
وفقا للمقطع المبني على أحداث واقعية، قام الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الوطنية "بالكبس على زر" اختيار المنتج المحلي لشركة وطنية أخرى تصنع ملابس شركته، ليرتفع بعدها إنتاج تلك الشركة، وترفع طلباتها من المنسوجات لدى شركة وطنية أخرى، وهكذا انتقلت الأصداء والآثار الإيجابية لـ"كبسة الزر" التي اختارت محتوى محليا في جميع أنحاء القطاع المنتج في الاقتصاد الوطني، فزادت الأرباح والعوائد، وارتفع معها حجم توظيف الموارد البشرية المواطنة، وتحسنت مستويات الأجور والمواقع الوظيفية، وليتقن المرء من الأهمية القصوى لمثل هذه القرارات الاستراتيجية بالاعتماد على المحتوى المحلي، والاعتماد أيضا على المورد البشري المواطن، فما عليه إلا أن يوسع دائرة اتخاذ مثل هذه القرارات، لتشمل أعدادا أكبر من المنشآت المحلية، وكيف أنها ستولد أعدادا لا تحصى من العوائد على التنمية والاقتصاد والمجتمع، وكيف أنها في المجمل ستصب نتائجها الإيجابية في مصلحة الدفع بمعدلات النمو الاقتصادي، وترسيخ تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، بما سيعزز من متانة واستقرار الاقتصاد الوطني، وتسهم في إيجاد مئات الآلاف من الوظائف الكريمة للموارد البشرية المواطنة، التي سترفع وتحسن بدورها من المستويات المعيشية لعموم أفراد وأسر المجتمع، وتدفع بها إلى مستويات أعلى من القدرة على الادخار والاستثمار، وتضاعف من طلبها الاستهلاكي على الخدمات والمنتجات المحلية، لتعود بعوائد أعلى على المنشآت المحلية ذاتها التي اختارت دعم اقتصادها ومجتمعها قبل أي خيار آخر، وتتشكل بذلك حلقات عملاقة للقطاعات المنتجة محليا، تنتظم في مجموعها الكلي ضمن منظومة إنتاجية متكاملة، تؤسس لمزيد من النمو والازدهار والتقدم على المستويات كافة.
تكمن أهمية الفكرة الذكية جدا للمقطع القصير أعلاه، في كيف أنها شرحت باختصار وسهولة ووضوح تام واحدة من أهم المبادرات الوطنية، المتمثلة باعتماد واختيار المحتوى المحلي في جميع نشاطات الاقتصاد الوطني، متفوقة في هذه الرسالة المعلوماتية قبل الإعلامية على كثير من الدراسات والمؤتمرات لإيصال ذات الفكرة والهدف! التي ستعزز بدورها من قناعة كثير من قطاعات الأعمال المحلية خصوصا، والمجتمع عموما بهذه المبادرة الوطنية العملاقة والمهمة، وأنه بذات المحتوى الذكي والمختصر، يمكن تأكيد أهمية حضور تلك القناعات واكتسابها الدعم والمساندة والشراكة من قبل الجميع، فيما يخص المبادرات والبرامج التنفيذية التي أوجدتها رؤية المملكة 2030، والتأكيد أنها جميعها دون استثناء تستهدف غايات عظيمة ستنهض بمقدرات اقتصادنا الوطني، وتعزز من ركائز نموه وتوسعه وازدهاره وتقدمه، وكل ذلك ستصب عوائده بالتأكيد في مصلحة الجميع بمشيئة الله وتوفيق منه.
من تلك المبادرات، تحرير الأراضي بمساحاتها الشاسعة من قبضة الاحتكار والاكتناز والمضاربة، التي متى ما تمت بخطا أسرع وأوسع، أسهم ذلك في زيادة المكاسب التنموية والاقتصادية بمعدلات تفوق كثيرا المكاسب التي حققتها القصة الرائعة أعلاه، والتأكيد أنها ستضاعف بمعدلات عالية جدا من نجاحات مبادرة اختيار المحتوى المحلي وغيرها من المبادرات والبرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030. كيف ذلك؟!
بخروج الأموال المخزنة في تلك المساحات الشاسعة من الأراضي داخل المدن والمحافظات، وانحسار توجه مزيد من الأموال والثروات نحو تكرار تلك النشاطات غير المفيدة للتنمية والاقتصاد الوطني، إضافة إلى انحسار عمليات المضاربة وتدويرها على الأراضي في أنحاء المدن تحديدا، وإعادة توجيهها وتدفقها نحو فرص الاستثمار الكبيرة والكثيرة في الاقتصاد الوطني، فالحديث هنا يتركز على ثروات طائلة تقدر بتريليونات الريالات، ستكون كافية لتمويل الفرص الاستثمارية العملاقة والواعدة التي أعلنتها رؤية المملكة 2030 عبر مبادراتها وبرامجها التنفيذية، ولا يزال إعلان الجديد منها فترة بعد فترة، إضافة إلى الفرص الواعدة التي ستوفرها برامج التخصيص أمام تلك الثروات الطائلة، المخزنة في أراض لم تقدم للاقتصاد الوطني أي مساهمة في نموه ولا في مجال تنويع قاعدته الإنتاجية، ولا في مجال زيادة فرص العمل.
من جانب آخر، سيؤدي تحرير تلك المساحات الشاسعة من الأراضي في تلبية متطلبات واحتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع منها، سواء في المجال الإنتاجي والتشغيلي لجميع نشاطات الاقتصاد، أو على مستوى تلبية احتياجات المجتمع من الإسكان، وارتباط ذلك بالازدهار الذي سيتحقق لقطاع التشييد والبناء والتطوير، وما سيؤدي إليه بحال تحققه من رفع معدلات أداء عشرات النشاطات الاقتصادية ذات العلاقة، وأن يتم كل ذلك تحت مستويات سعرية عادلة أفضل بكثير من مستوياتها المتضخمة الراهنة، التي زادت من تكاليف الإنتاج والتشغيل، حتى رفعت من تكلفة مستويات المعيشة بالنسبة إلى المجتمع، وهو ما ترك آثارا عكسية على عديد من قطاعات الاقتصاد الوطني، وقلص إلى حد بعيد من معدلات النمو المستحقة لتلك القطاعات.
إننا أمام أبواب واسعة وعديدة من المكاسب المأمول تحققها في هذا الجانب التنموي المهم، بدءا من توجيه الأموال والثروات المحلية نحو الفرص الاستثمارية الواعدة محليا، مرورا بتوافر الأراضي بأسعار مناسبة وعادلة تلبية لاحتياجات القطاعات الإنتاجية والمجتمع على حد سواء، وبما سيوفر أجزاء كبيرة من حجم التكاليف على كاهل كل من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، وصولا إلى ما سيضاف بأرقام تريليونية إلى الناتج المحلي غير النفطي خصوصا، متمثلا في زيادة تدفقات الاستثمارات سواء على المشاريع الجديدة أو على المشاريع الراهنة التي تنوي التوسع أو على اقتناص الفرص الآتية عبر برامج التخصيص، مرورا بالزيادة المطردة التي ستتم على مستوى حجم ومساهمة القطاع الخاص، والتسارع المتوقع أن يحدث بمعدلات أكبر وأسرع على طريق تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، وما سيؤدي إليه ذلك من زيادة ملموسة على مستهدفات رفع استقلالية الاقتصاد مقابل الدخل النفطي، وصولا إلى جني كثير من المكاسب التنموية والاقتصادية التي تعجز لغة الأرقام عن تقديرها بواقعنا الراهن، ومن أهمها الزيادة الكبيرة في توفير الملايين من فرص العمل خلال عقد زمني مقبل! كل ما في الأمر ليتحقق كل ذلك مجرد "كبسة زر" يؤمل أن يفوز بها اقتصادنا الوطني في أقرب وقت.
نقلا عن الاقتصادية