الأخبار وسلوك المتداولين

28/05/2020 0
د. خيران الخياري

تتأثر الأسواق المالية بوتيرة منتظمة بمزيج من الأخبار سواءً الإيجابية او السلبية، والتي لها أثر كبير على حركة المؤشر العام للسوق أو على قطاع واحد من بين مجموع القطاعات، او حتى على سهم واحد أو عملة واحدة.

ولكل خبر رد فعل يختلف بحسب نوعه ومدى تأثيره على حركة الأسواق وفترة ذاك التأثير، مما ينعكس على سلوك المتداولين، كما أن هناك أخباراً متعادلة التأثير إن صح التعبير نسبة لعدم تجاوب الأسعار معها، لذلك لن نتطرق لهذا النوع من الأخبار في سياق حديثنا.

يدفع الخبر الإيجابي المتداولين إلى سرعة اقتناص الأسهم او العملات في محاولة لشراء أكبر عدد ممكن منها بسعر منخفض قبل أن يقفز مؤشر السعر عالياً، فينتهي بهم المطاف إلى عضِّ أصابع الندم جراء عدم دخولهم في الصفقات المربحة. ليس ذلك فحسب بل إنهم يغيبون عن الواقع ليغوصوا في أحلام يقظة وردية متخيلين تحقيقهم لأرباح بأرقام فلكية عندما يصل السعر إلى رقم معين وتزداد أرباحه مع تغير الأهداف بإضافة «لو» إلى تهيؤاتهم.

وبمجرد عقد الصفقة وتراجع السعر إلى ما دون سعر الدخول يتغير الحال ويختلف المنظور والهدف وتصبح أقصى أمانيهم الخروج من الصفقة بسعر الدخول ليس إلَّا، فإذا زادت مدة الانتظار ولو لفترة بسيطة جداً أصبح الخروج بأقل الأضرار منفعة وربحاً لا يعلوه ربح.

وأنا على يقين تام، أنك عزيزي القارئ ستندهش أكثر عندما تتتبَّع سلوك المتداولين في حالة الخبر السلبي، حيث يكونون أكثر استعداداً لمواجهة كارثة ألمـَّت بهم، إذ لا أبالغ عندما أخبرك بأن أغلب هؤلاء قام بتعيين تنبيه عبر هاتفه المحمول قبل بدء التداول كي يخرج قبل الجميع عندما يكون العرض بسعر السوق، معتقداً أنه الأكثر حكمة ودهاء في مثل تلك الحالات، مع أن أصحابه «القطيع» بالمستوى نفسه من التفكير، وكأن السوق متجه إلى محطة الصفر، يليها إغلاق تام!

وبعد أن تتمَّ عملية تنفيذ البيع ويستمر السوق بعرض السعر ذاته، يتشدق صاحبنا ضاحكاً ومتفاخراً بحنكته النادرة التي مكَّنته من الانسحاب قبل فوات الأوان. وعندما يزول تأثير الخبر ويبدأ افتتاح يوم غد بأسعار مرتفعة أو بنسب أكبر، يصيبه الحزن واليأس على حين غرَّة، فيعاود اللجوء إلى قراراته المتسرعة من جديد ليكرر المنوال السابق نفسه «يا رجال ما عليك من الأخبار» ولو عادت لعاد إلى تصرفه الأرعن ثانية، كأنه لم يتعلم شيئاً.

واجهنا في السوق السعودي كمية من الأخبار المتنوعة خلال السنوات الأخيرة حيث يتكرر السيناريو ذاته من قبل المتداولين، لعل آخرها كان تصريح الوزير، فاسمح لي عزيزي القارئ أن أوردَ العبارة التالية التي تختصر كل ما قيل سابقاً «تتكرر المشاهد وتختلف الطرق والقناصون قلائلُ».

وربما يكمن السبب الحقيقي وراء كل تلك التصرفات هو العمل دون تخطيط مسبق ولا دراسة مُحكمة، فوجود خطة عملية مدروسة لدى المتداول أمر في غاية الأهمية حتى لو لم تكن بالمستوى المطلوب، لأنها ستتيح له على أقل تقدير فرصة تعديل سلوكه بناء عليها ممَّا يجنبه الكثير من التصرفات الرعناء ويوصله إلى النجاح ولو بعد حين.

كما يجدر بالذكر، أن لكل متداول نمط تفكير خاص ومنهج عمل يختلف به عن غيره. وأذكر ذات يوم أنني أقمت ندوة حول إحدى الموضوعات المتعلقة بالتداول، تطرَّقت خلالها إلى كيفية بناء خطة ذكية مع طرح بعض النماذج والأمثلة المساعدة، وما إن انتهت الندوة حتى انهالت عليَّ العديد من طلبات المشاركين الراغبين في الحصول على خطتي للتداول، بغض النظر عن مدى مناسبتها لنمط تفكير المشارك وطريقة عمله، المهم خطة «وبس»، لأنه في الأصل يعمل دون هدف .

وفي الختام عزيزي القارئ : «تتكرر المشاهد وتختلف الطرق والقناصون قلائلُ».

خاص_الفابيتا