أعلنت هيئة السوق المالية صدور لائحة الاندماج والاستحواذ المحدثة، التي أُقِرّت من قبل مجلس الهيئة في المحرم لهذا العام الهجري 1439هـ. جاءت لائحة الاندماج والاستحواذ بعد طول انتظار؛ لكي تستجيب للمستجدات والحاجة التي تتطلبها السوق، ولكي تتماشى مع التطبيقات العالمية، ولا سيما أن لائحة الاندماج والاستحواذ السعودية استفادت من قانون عروض الاستحواذ البريطاني وقد حدث ذلك عدة مرات. أول المعالم الذي شهدته هذا اللائحة هو تطابق اسم اللائحة مع مضمونها، فقد كانت اللائحة تسمى لائحة الاندماج والاستحواذ دون أي تنظيم للاندماج، بينما نجد اللائحة المحدثة شملت أحكاما للاندماج بعد أن أسند إليها نظام الشركات ذلك.
جاءت اللائحة بجوانب جديدة متعددة، لكنني سأقتصر على مسألة مهمة استحدثتها اللائحة الجديدة، التي يمكن القول إنها كانت مسألة حري أن ينظمها نظام الشركات بدلا من لائحة الاندماج والاستحواذ، لكي تشمل الشركات المساهمة المقفلة والمدرجة على حد سواء.
أما موضوع مسألتنا فهو المادة الـ26 من لائحة الاندماج والاستحواذ المحدثة، التي عنونت لها اللائحة بـ"عرض مبادلة أوراق مالية لجميع أسهم الشركة المعروض عليها". هذه المادة أرى أنها إحدى أهم المواد التي أدرجت في اللائحة المحدثة، وربما العنوان الذي اختير لا يوحي للوهلة الأولى بآلية هذه المادة. ويفترض أن مثل هذه المواد التي تعرض مفهوما جديدا على السوق تأخذ حيزا كبيرا من الجهد لتوضح معناها وآليتها للجمهور وبتفصيل أكثر. هذه المادة في حقيقتها هي أن الشركة العارضة "المستحوذة" يمكنها أن تستحوذ على كامل أسهم الشركة المعروض عليها "المستحوذ عليها" إذا تم ضمان موافقة ثلاثة أرباع الأسهم الممثلة في اجتماع الجمعية العامة غير العادية للشركتين. هذا المفهوم في حقيقته موجود في الولايات المتحدة في عدد من ولاياتها، ويسمى Share Exchange، وموجود في نظام الشركات البريطاني، ويسمى Scheme of Arrangements، ولكل دولة إجراءات وآليات تفصيلية خاصة بها، لكن من الممكن القول إن هذه الأنظمة تشترك في تحديد نسبة معينة من الموافقات اللازمة في جمعيات المساهمين، ينتج عنها إلزام المساهمين في الشركة المعروض عليها "المستحوذ عليها" في التخلي عن أسهمهم مقابل أسهم في الشركة العارضة "المستحوذة" أو غيره، كما يشتركان في أن تنظيم عملية الاستحواذ الإجباري "لا العرض الإلزامي" كان عن طريق قوانين الشركات لا عن طريق السوق المالية. في المقابل شملت القوانين الأمريكية والبريطانية ضمانات أكثر للأقلية الرافضة للاستحواذ في الشركة المعروض عليها من خلال حق التعويض أو التقييم العادل.
من المهم الإشارة إلى أن لكل أسلوب غايته حسب هدف وغايات الشركات المشاركة، وحسب نوع العلاقة بين الأطراف والتوقعات لقبول فكرة الاستحواذ من عدمه، وأهمية هذا الاستحواذ للشركة المستحوذة، وهذا باب واسع وطويل.
تعتبر المادة الـ26 من لائحة الاندماج والاستحواذ، التي يمكن أن نطلق عليها المبادلة الإجبارية للأسهم أو بشكل أوضح الاستحواذ الإجباري، مادة جوهرية وجديدة للسوق السعودية، وسيكون لها أثر في الشركات فيما بينها، وسترغب في عمليات الاستحواذ بشكل أكبر. ولا أعتقد أن التوجه والرغبة في زيادة عدد الشركات المدرجة سيتعارضان مع فكرة الاستحواذات؛ لكون الاستحواذات يفترض نسبيا أن تخرج الشركات التي بحاجة إلى دعم، وتقوي الشركات المستحوذة في الوقت نفسه. ولعل هذه المادة أو هذه الخطوة تحدث نوعا من التجارب يمكن الاستفادة منه، وربما تبنيها في نظام الشركات ليشمل الشركات المدرجة وغير المدرجة، ولا سيما أن نظام الشركات تبنى مبدأ الاندماج الذي يشتمل على مبدأ تحقق الاندماج بموافقة ثلاثة أرباع الأسهم الممثلة في الشركتين، وفي الوقت نفسه تمكن التجارب المقبلة الهيئة من تطوير المادة الـ26 بضمانات أكثر لمصلحة الأقلية من خلال القضاء أو اللجان المتخصصة.
نقلا عن الاقتصادية