اقتصاديا : الحاجة لخلخلة الطبقة الوسطى

05/12/2017 8
فواز حمد الفواز

حدثني استاذ جامعي مجتهد بحماس عن الحاجة لطبقة وسطى قوية وانها عماد المجتمع كما في امريكا، إنصافا أيضاً جاءت ملاحظاته في سياق الحديث عن إعطاء الشباب والشابات فرصة للعمل وحمايتهم من الوافدين.

تفكيك هذا الطرح اقتصاديا صعب ومؤلم ولكنه ضروري لانه ياتي في تقاطعات بشرية واقتصادية ومالية وتعليمية وحتى سلوكية . صعب لانه يجبر المحلل على فرز العوامل المؤثرة على هذة التقاطعات ومؤلم لان اي تحليل عميق سيواجه المسلمات والرأي العام التقليدي وخاصة لما تكون الحياة المعيشية على المحك لجزء كبير أستكان على وضع يصعب الدفاع عنه اقتصاديا، ومؤلم أيضاً من ناحية فكرية إذ ان التشخيص الخطأ يقود لحلول خاطئة مهما حسنت النوايا. بالرغم من التباطؤ الاقتصادي وضعف الإنتاجية ومحاولة السيطرة على النفقات العامة الا انه لاتزال هناك طبقة وسطى مقبولة وهذا بلا شك حالة حميدة ولكن في الغالب يصعب الدفاع عنها إذا قبلنا وأختزلنا الحاجه للتحول العميق اقتصاديا . 

هناك مسائل ليس عليها خلاف في الحكم والتوجه ولكن الشيطان في التفاصيل مثل الحاجه للتعليم العالي والطبقة الوسطى والحد من الاستقدام ولكن عدم الدقة في الفكر والتشخيص والممارسة تجعلها ميدان للتحليل السطحي او التجاذب المصلحي . اوسع دائرة اقتصادية نبدا بها ان الميزانية عالية قياسا على الدخل القومي الاجمالي، اذ ان الميزانية العالية تدل على اعتماد كبير على المصروفات العامه هذا غير قابل للاستدامه، مصدر الحجم الكبير  والاقل مرونه هو تكلفة الرواتب.

هناك عدم توازن ولكن التوازن يتطلب اما زيادة في نسبة النمو الاقتصادي بطريقة غير معهودة ولعدة سنوات او تخفيض المصروفات العامه تدريجيا او كليهما بنسب معقولة لحين ايجاد توازن جديد . الحل المثالي ان ينمو الاقتصاد بوتيرة عالية ولكن هذا لن يحدث في المدى المنظور الا اذا حدثت طفرة نفطية مؤثرة لعدة سنوات (وهذه بدورها قد تؤجل المحتوم)، ولكنه لن يحدث دون ذلك لأسباب موضوعية لعل اهمها نقطة البداية حيث ان الدخل الاجمالي اساسا كبير قياسا على مقومات الانتاج مثل غياب القاعدة الصناعية ومستوى الإنتاجية والاستعانة بالوافدين بطريقة غير مقننه اقتصاديا والمبالغه في تكلفة المشاريع وبعض الفساد (الذي أخذت الحكومه بخطوة شجاعة للسيطرة عليه)  وأخيرا عدم قدرة الجهاز البيروقراطي والتعليمي على الفرز- عملية الفرز مشلولة .                                                                                

الطبقة الوسطى الحالية في غالبها من موظفي الحكومة ( اعلى 15-20% منهم بالأضافه الى موظفي الشركات الحكومية مثل ارامكو. وسابك وغيرهم وبعض الجهات الرقابية، كما ان هناك وافدين تحت عقود استشارية لم تصنف كرواتب ولكنها عالية واستمرت لسنوات .

اذا قبلنا ان دخل اكثر من عشرين الف ريال للأسرة كمؤشر لدخل الطبقة الوسطى، كما ان هذا الدخل لا يشمل الدعم، وجزء صغير من موظفي القطاع الخاص ). تكلفة الرواتب تبلغ اكثر من 404 بليون ريال لميزانية هذا العام ( قياسا على ما نشر عن ميزانية ثلاثة أرباع العام ، ويعادل عوائد تصدير حوالي 5.5 مليون برميل نفط بسعر 55 دولار)، بل ان الرقم الحقيقي اكبر قياسا على طبيعة العقود مع الحكومة وعلاقة بعض الأجهزة شبة الحكومية مع الميزانية العامة بالرغم من بعض الإصلاحات في جدولة الميزانية مؤخرا.

الجدل حول الطبقة الوسطى ومركزيتها لابد ان يمر من باب هذة الحقائق المالية والاقتصادية . الجزء المؤثر من الرواتب بالذات في القطاع العام وشبة القطاع العام يذهب لما يسمى الطبقة الوسطى ولكن التغيير الاقتصادي العميق وبغرض التقدم يتطلب اعادة خلخلة عميقة كما حدث في حملة الفساد التي طالت جزء مؤثر من المسؤولين الحاليين والسابقين . جزء مؤثر من الطبقة الوسطى وجد نفسة فيها بسبب ما يسمها الاقتصاديون ظاهرة الراكب المجاني free riders) ورغبة الحكومه في توزيع دخل النفط ولكن جاءت هذة السياسات لتشجع الاستهلاك على حساب الاستثمار وخفض الإنتاجية. احد وسائل وصول الكثير جاء بسبب عدم دقة الأجهزة الحكومية في الفرز الوظيفي والتعليمي . إذ استهان الكثير بالشهادة العليا وهذا ليس صعب التأكد منه لمن أراد تمحيص اولي . عدم الدقة والمسالة قاد الى تشوية عملية الفرز البشري بنتائج وخيمة على الكفاءة الاقتصادية والتعليمية والخدمية . تحدي قد يتفاقم تكلفة واداء إذا لم نبدا بالتصحيح .  

هذة الظاهرة مكلفة وخاصة في اقتصاد يغلب عليه تكلفة رواتب عالية ومصروفات عامة عالية وضعف في مستوى الاستثمارات حجما ونوعا. فالأموال التي تذهب لبعض هؤلاء الاحرى ان تذهب للاستثمارات العامه داخليا او على الاقل تذهب للمستحق . اعادة برمجه التوازن المالي تدل على وعي جيد بالتحديات ولكن التاجيل تحت مبرارات الحاجة للنمو الاقتصادي حل دوري لمسائل هيكلية  خاصة ان الرؤية ووبرامج التحول الاقتصادي لم تلامس التحديات البشرية مباشرة وبينما هي الهدف والوسيلة وهذا سر التحدي العميق . خلخلة الطبقة الوسطى قادمه كأحد أعراض موجهات التحديات الاقتصادية. بدأنا بمواجهة تحدي الفساد المالي والاداري ولابد من مواجهة الفساد التعليمي الحميد وغير الحميد . الخلخله لا تعني استهداف تقليص الرواتب بالضرورة ولكن قبول حتمية المنافسة على التعليم والجهد والانتاجية . الفرز الاقتصادي سوف يقلص التكاليف ويعيد توزيعها . استحقاق الوصول للطبقة الوسطى يتطلب إخلاص علمي وفني وعملي يضاهي المستويات العالمية وليس رقما ماليا.

يستغل البعض الحكومة دون مسالة أكاديمية ومهنية وإنتاجية . التحدي الاقتصادي ان نصل الى مدار اعلى والذي لابد ان يمر من خلال اعادة تعريف وخلخلة الطبقة الوسطى لمواجة قوى الانتاج وسلم الإنتاجية واعادة هيكلة الدعم . لا نختلف على اهمية الطبقة الوسطى ولكن حول كيفية المنشأ ومحطة الوصول .