في 14 يونيو الماضي أقر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية، رفع سعر الفائدة الرئيسي 0.25 في المئة، لتكون الزيادة الثانية في العام الحالي، حيث صوت البنك المركزي بالموافقة على رفع سعر الفائدة الرئيسي بمتوسط من 1 في المئة إلى 1.25 في المئة. وفي بيان متناغم في نفس السياق قررت مؤسسة النقد العربي السعودي رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 100 نقطة أساس إلى 125 نقطة أساس وإبقاء معدل اتفاقيات إعادة الشراء عند 200 نقطة أساس، وذلك بناء على المستجدات التي حصلت في الاسواق المالية الدولية.
لا يخفى على المهتمين بالقضايا الاقتصادية والتأثيرات القوية التي تتسبب فيها القرارات النقدية الأمريكية في الاقتصاد العالمي. حيث ترتفع درجة الترابط بين السياسة النقدية الأمريكية والسياسات النقدية للدول المثبتة لعملتها بالدولار. وبذلك تتأثر سياسات تلك الدول النقدية بشكل مباشر وسريع بقرارات تعديل معدلات الفائدة الأساسية الأمريكية التي يحددها مجلس الاحتياطي الأمريكي. ويوجد تقريبا 66 دولة في العالم (نصف دول العالم) تربط عملتها مقابل عملات أخرى او مقابل سلة من العملات.
سنتناول في هذا المقال هذا الجانب من التأثير بين اقتصادات العالمية والمحلية. حيث يتقرر المقال بشكل محدد لتداعيات قرار الاحتياطي الفدرالي الأمريكي على مؤسسة النقد العربي السعودي. وبشكل أكثر تحديدا نبحث في هذا المقال لماذا تتبع ساما قرار الفدرالي الأمريكي في رفع الفائدة. وللوصول إلى إجابة هذا التساؤل البسيط سأعرض بشكل موجز ما هو ربط العملة أو ما يعرف ب "Currency Pegging" وأسباب ربط العملات بشكل عام ومن ثم سبب ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، بعد ذلك سنتطرق إلى ألية عمل ربط العملة. بذلك نكون قد أساسنا الحد الأدنى من المعرفة والفهم الأساسي المطلوب للإجابة على تساؤل هذا المقال.
ما هو ربط العملة “Currency Pegging”
ربط العملة هو عملية قيام دولة أو حكومة بتثبيت أسعار صرف عملتها مقابل عملة بلد أخرى على سبيل المثال الربط مقابل الدولار الأمريكي كما يسمى أيضاً سعر الصرف الثابت. مثلاُ أن تقوم المملكة العربية السعودية بتثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي كما هو الحال منذ 1986-1987 بسعر صرف ثابت 3.745. وبهذا الشكل فإن الدول التي تتبع سياسة ربط العملة مقابل عملة أخرى سواء الدولار الأمريكي أو اليورو أو مقابل سلة من العملات فإن هذه الدول تتعهد بأن يتم تبادل عملاتها مقابل العملة المربوط معها بنفس السعر المعلن في كل وقت، على الأقل حتى يتم إلغاء سياسة الربط.
بدأت عملية ربط العملة في الماضي تقريباً عام 1821 وذلك عندما قامت بريطانيا بتبني الذهب كمعيار لقياس قيمة العملة النقدية، اتبعت العديد من شعوب العالم هذا النهج في تقييم عملاتها. وذلك كان يعني أن قيمة العملة كان يتم تحديده بناءً على الذهب وكانت البنوك المركزية تقوم بعملية شراء وبيع العملة الورقية مقابل قيمة محددة من الذهب. وبناءً على ذلك كانت البنوك المركزية تقوم بالاحتفاظ بمخزون من الذهب لإتمام عمليات البيع والشراء.
وبعد الحرب العالمية الثانية تم ادخال ما يعرف بنظام بريتون وودز Bretton Woods System. وبذلك يستبدل الدولار الأمريكي دور الذهب في تقييم العملة ويعتبر مخزون رسمي بدلاً من الذهب (ويضل الدولار الأمريكي مقيم بالذهب).
ولكن في عام 1973 تم تعويم الدولار الأمريكي وذلك يعني ان الدولار الأمريكي لم يعد يقيم بالذهب كما كان سابقاً، وبذلك يكون الدولار الأمريكي يحدد سعره بناءً على ظروف السوق والعرض والطلب. وبطبيعة تباين العرض والطلب على العملات يختلف بمدى الثقة والرغبة والثبات لكل عمله فإن بعض العملات تم تحديد قيمتها من خلال ربطها بالدولار الأمريكي. وأصبح ربط العملات سواءً مقابل الدولار او مقابل سلة من العملات أمراً شائع في السياسات النقدية للحكومات والدول.
الأسباب
ربط العملة يساعد في عملية توقع أسعار العملات بين أطراف الشراكة التجارية، كما أنه من الممكن ان يستمر لعقود. الدول المصدرة تستفيد من ربط العملات بسعر منخفض حيث ان سعر العملة المنخفض يساهم في جعل صادرات هذه الدول أقل سعراً بشكل عام إذا ما قورنت بصادرات الدول الأخرى المنافسة.
استقرار سعر العملة يساعد بيئة الأعمال في التخطيط وإنشاء شراكات وتحالفات طويلة المدى، حيث يكون التخطيط للاستيراد والتصنيع والتصدير لا تتأثر بمخاطر تقلبات وتذبذب سعر العملة. عموما ربط العملة يساعد في خلق بيئة أعمال مستقر تساعد المصدرين والمستوردين من حيث معرفتهم بشكل دقيق بسعر العملة المتوقع بما يحد من مخاطر التعاقدات بين الدول أو الشركاء من دول مختلفة.
وبذلك فإنه من أحد أهم الأسباب لربط عملة معينة بسعر معين هو تحقيق أهداف تجارية، مثلاً فإن المملكة العربية السعودية تقوم بربط الريال السعودي مقابل الدولار الأمريكي وذلك لان أغلب صادرت المملكة العربية السعودية مسعرة بالدولار الأمريكي مثل النفط فإن مسعر فالأسواق العالمية بالدولار الأمريكي. أو بشكل أخر ان تكون الدول التي تربط عملتها بدوله أخرى من المصدرين الرئيسيين لتلك الدولة.
وعلى ذلك فإن عملية ربط عملة مقابل عملة أخرى يساعد الدول على رفع ميزتها التنافسية من خلال المحافظة على سعر عملة منخفض يضمن تحقيق التنافسية السعرية مقارنة بالدول الأخرى.
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من أسباب فإن ربط العملة مقابل عملة أخرى يعطى ضمانه للدائنين أن العملة ستحافظ على مستوى تخضم من الممكن توقعه بما يساعد الدائنين على توقع نسبة التضخم والمخاطر المترتبة عليه خلال مدة انقضاء مهلة الدين.
كيفية عمل ربط العملة
عند رغبة دولة معينة في تثبيت سعر عملتها في أسواق العملات، على سبيل المثال المملكة العربية السعودية، وبتحديد العملة التي ترغب بربط سعر عملتها مقابلها مثلاُ الدولار الأمريكي. فإن السعودية ترغب في ان يتحرك الريال السعودي بنفس الاتجاه وبنفس القوة للدولار الأمريكي. ففي هذه الحالة فإن السعودية في حال انخفاض سعر الريال تقوم باستخدام مخزونها من العملات الأخرى بشراء الريال وإبعاده من السوق. وبذلك يصبح القدر المتبقي من الريال في السوق اقل من المطلوب وبهذا يرتفع الطلب على الريال وبذلك يرتفع سعر الريال في السوق. وبنفس الطريقة في حال حدث العكس وارتفع سعر الريال بشكل اكبر من الدولار. حيث تقوم السعودية بمخزونها من الريال السعودي بشراء عملات أخرى فيرتفع العرض على الريال ونتيجة لذلك ينخفض سعر الريال في السوق إلى المستوى المحدد مقابل الدولار الأمريكي. وبهذا يحدث التوازن والاستقرار لسعر العملة.
التأثر على أسعار الفائدة
يهدف ربط العملة إلى خلق سعر عملة مستقر يتناسب مع الأهداف التجارية لبلد العملة المربوطة بأخرى. فقد يتصور الكثيرين انه وتبعا لربط العملة يجب الالتزام بنفس السياسة النقدية والحفاظ على مستوى الفائدة بين العملتين. وهذا ليس بعيداً عما تشير إليه الدراسات إلى أن الاقتصادات خارج نطاق الاقتصادات العظمى أو الأكبر في العالم يجب ان لا يكون عندها استقالا تاما في السياسة النقدية حيث ان من الأفضل لها ان تكون تابعاً لا مستقلاً. كما أنه يصعب ان تقوم الدولة بتثبيت سعر عملتها وتتبع سياسية نقدية ذاتية وتمتلك سوق رأس مال منفتح في نفس الوقت.
ومن هذا ندرك ان المملكة العربية السعودية كونت تركيبتها فيما بين تثبيت سعر الريال السعودي وسياسة نقدية تابعة إلى حد ما لسياسة الفدرالي الأمريكي وسوق رأس مال منفتح. وبهذا ندرك ان السياسة النقدية السعودية المتبعة تابعة بشكل ما لسياسة النقد الأمريكي بما في ذلك التغيير على سعر الفائدة. وذلك ناتج عن أن تثبيت سعر العملية مقابل عملة أخرى ينتج عنه خسارة ملحوظة في استقلالية السياسة النقدية. ولذلك نجد ان العملات المربوطة مقابل الدولار الأمريكي او سلة من العملات تتباين إلى حد ما في سرعة إتباع رفع او خفض سعر الفائدة تباعاً وذلك ناتج عن آلية ونوع الربط في الدول المثبتة عملتها على سعر محدد مقابل الدولار أسرع في إتباع قرارات الفدرالي من الدول التي تتبع الربط ضمن حدود سعرية لعملاتها.
علاوةً على كون المملكة العربية السعودية تتبع نوعاً ما سياسة الفدرالي الأمريكي وذلك ناتج عن تثبيت الريال السعودي مقابل الدولار إلى أن هناك عاملاً اخر يستدعي إتباع سعر فائدة الدولار الأمريكي، وهو تحرك رأس المال الاستثماري لاقتناص الفرص وتحقيق دخول إضافية. وذلك يعني أن عدم رفع الفائدة تبعاً لقرار الفدرالي الأمريكي سيؤدي إلى مضاربة على الريال السعودي في اتجاه معاكس لقرار الفدرالي كنتيجة لتحرك رؤوس الأموال الاستثمارية لاقتناص فرص ربح أكبر مؤقتاً في منتجات مقيمة بالدولار مقابل الريال السعودي مما قد يؤدي بالتالي إلى انخفاض سعر الريال في العقود الآجلة محملاً عبئاً إضافياً على مؤسسة النقد السعودي في المحافظة على سعر الريال السعودي ثابتاُ دون تغير.