لم أتفاجأ بما قامت بنشره صحيفة بلومبرغ ومقابلتها مع شركة وود ماكينزي لتقييمها شركة أرامكو بـ٤٠٠ مليار دولار فقط!. فهي تسعى إلى الإثارة الإعلامية أو إلى السبق الصحفي. لكن ما فاجأني حقاً هو كيف لشركة مثل وود ماكينزي لها أن تقيم شركة في حجم أرامكو بدون الإطلاع على قوائمها المالية أو حتى معرفة عدد شركاتها التابعة!.
بعيداً عن الأرقام، عادة ما تعتمد عليه مثل هذة الشركات الاستشارية في تقيمها وتحليلها للقيمة الجوهرية لشركة ماء على طريقتين: طريقة خصم التدفقات النقدية (DCF)، وطريقة خصم التوزيعات النقدية (DDM) في حالة وجود توزيعات نقدية للشركة. وفي كلا الطريقتين التي أعتمدتها وود مكينزي في تقييمها كما أشارت في تقرير بلومبرغ هي أرقام غير حقيقية بل هي مجرد أفتراضات فقط لا أكثر. لأنه لا أحد يعلم مقدار التدفقات النقدية لشركة أرامكو لكي تستخدمها في الطريقة الاولى، وفي الثانية فأرامكو ليس لها توزيعات نقدية يتم حساب قيمتها على أساسها.
بل أن التقرير ذهب إلى أبعد من ذلك، بالقيام بحساب الهيكل التمويلي للشركة، أو ما يسمى بتكلفة رأس المال (Cost of Capital) وقدرته ب 10٪. فحساب الهيكل التمويلي الذي يعرف بالمتوسط المرجح لتكلفة رأس المال (WACC) لا يتم حسابه إلا بالإطلاع والتدقيق في حسابات الشركة وقوائمها المالية، وهو أيضاً ما تفتقده شركة وود ماكينزي وغيرها، لذلك قامت بإفتراضه، لعدم توفر المعلومات والبيانات اللازمة التي على أساسها يمكنها التنبؤ وتوقع القيمة الحقيقية أو العادلة لشركة أرامكو. فهي ليست مثل شركة علي بابا أو سناب شات اللتان تتوافر بياناتهما بإلاسواق، وأيضاً لكبر حجمها وعدد فروع شركاتها التابعة وإختلاف إستثماراتها بين مختلف دول العالم. والتي تعتبر أحد الأسباب في تأخر طرحها للإكتتاب إلى عام 2018.
أما بالنسبة لمخزون النفط، فأرامكو لاتملك المخزون، بل المملكة هي التي تملك، أرامكو هي شركة فقط لها حق الإمتياز في الإستخراج والبيع داخل المملكة وفي خارجها. لذلك لا يجب تقيمها على حساب ما لاتملك، بل تقيم على ما تستطيع تحصيله من النقد الحر أو ما يسمى بالتدفق النقدي التشغيلي.
وبفرض أن شركة أرامكو تملك جزء من براميل النفط كمخزون، فالمخزون ليس هو الأساس في عملية تقيم الشركات، فما فائدة تقيم أي شركة مهما كان لها من المخزون أذا لم تستطيع بيعه بسعر أعلى من تكلفة إستخراجه وتحقيق الربح. لذلك يقيم سعر برميل النفط في الأسواق العالمية على أساس العرض والطلب، أما الشركة التي تستخرج هذا النفط وتقوم ببيعه فيتم تقيمها على أساس النقد الحر أو التوزيعات النقدية التي يتم توزيعها على المستثمرين، ولذلك تجد تقلبات أسعار أسهم قيمة هذة الشركات النفطية في أسواق المال، أو حتى إنخفاض أسعارها مع زيادة المخزون. لذلك لا أعلم أذا كان هناك أي شركة يتم تقيمها على أساس مخزونها من السلعة في عالم الإستثمار، على الأقل حتى كتابة هذا المقال.
ولكن قد يتساءل البعض، ماذا لو قيمت شركة وود ماكينزي أو غيرها من شركات الإستشارات الأخرى شركة أرامكو ب 3 ترليون دولار أو أكثر، هل كان ذلك سوف سيجعلنا أكثر إطمئناناً لعملية طرح الإكتتاب ولمستقبل شركة أرامكو؟!.
في رأيي أنه مهما كان سعر تقييم شركة أرامكو الذي سوف نراه قريباً، فهو ليس حجر الزواية الذي تم على أساسه إتخاذ قرار طرح أرامكو للإكتتاب، بل أن القرار يرجع إلى عدة فوائد كما آوضحها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في إحدى لقائاته، وأهم هذة الفوائد وأولها كما ذكر هو الشفافية والإفصاح عن بيانات الشركة ومعلوماتها، وخروجها من الصندوق المغلق، ولتكون ليس فقط تحت راقبة الدولة ومؤسساتها، بل وحتى من قبل المؤسسات العالمية وبيوت المال والخبرة. فهو يؤمن بأن الشفافية والحوكمة هي أحد العوامل التي تساعد في تتطور الدول والنهوض بمؤسساتها، خاصة في عالم الأعمال اليوم، وليس بالمال وحده.
فتحويل شركة أرامكو الى شركة مساهمة عن طريق طرح جزء منها للإكتتاب العام، سوف يسمح لها بالإنطلاق لإكمال مسيرة النجاح بشكل أكثر ثباتاً وتنظيماً، والمنافسة مع الشركات العالمية الاخرى في العالم سواء كان ذلك في صناعة النفط والطاقة أو في صناعات ومجالات أخرى متعددة. ولكي يعلم الجميع هل نجاح شركة أرامكو هو نتيجة الدعم الحكومي لها وبحصولها على حقوق الامتياز داخل حدودها، أم أن نجاحها هو بسبب الإدارة الجيدة وإستخدام الموارد المتاحة لها بحكمة وفاعلية، ولكي نعرف كل ذلك، كان قرار طرحها للإكتتاب وتحويلها إلى شركة مساهمة عامة هو القرار الحازم، الذي سوف يجعلنا أكثر إطمئناناً في الحاضر وفي المستقبل، وهو الأمر الذي يهمنا أكثر.
خاص_الفابيتا