شركات النقل والمواصلات الجديدة الناشئة

04/12/2018 2
عبد الرحمن بسيوني

في عام ٢٠٠٤ بدأت الصين في التخطيط لبناء شبكة من القطارات عالية السرعة (٣٥٠ كم/س)٬ لكنها أشترطت على جميع الشركات الأجنبية التي تؤد المشاركة في تنفيذ المشروع٬ أن تقوم بنقل الملكية الفكرية والتقنية إلى الصين٬ تحت إتفاقية أطلق عليها تحويل التقنية .Transfer of Technology (TOT) في بادئ الأمر ترددت بعض الشركات الكبرى بالموافقة مثل شركة سيمنس الألمانية وشركة كوازاكي اليابانية٬ ولكن بسبب المنافسة من الشركات العالمية الأخرى والمحفزات المالية من الحكومة الصينية٬ وافقت هذه الشركات على تنفيذ العقد٬ ونتيجة لذلك تمتلك الصين اليوم هذه التقنية والخبرة والمعرفة٬ والتي  أستطاعت من خلالها بناء أطول شبكة قطارات عالية السرعة في العالم (٢٠٫٠٠٠كم)٬ من تصميم المركبات وصناعتها وتشغيلها وإدارتها٬ بأيدي وطنية صينية عاملة من موظفين ومهندسين.

بالإضافة إلى هذه التقنية٬ قامت الحكومة الصينية بتمويل الأبحاث٬ والدعم المالي المحلي٬ وبناء بنية تحتية متقدمة وجاهزة٬ وموارد بشرية بمهارات عالمية٬ جعل من شركات التقنية الناشئة الصينية اليوم منافس قوي وشرس في وجه شركات التقنية والإبتكار العالمية٬ وخاصة الأميركية. فبسحب مجلة الخبير الإقتصادي تم ضخ ما يقارب من ٧٧ مليار دولار من إستثمار رأس المال الجريء في الشركات الناشئة الصينية بين عام ٢٠١٤-٬٢٠١٦ مقارنة بـ ١٢ مليار دولار فقط بين عام ٢٠١١-٬٢٠١٣ وفي عام ٢٠١٦ حصلت الصين على المركز الثاني في العالم في الصناعات المتقدمة مثل الذكاء الإصطناعي والبلوك تشين والروبوتات والدرونز والسيارات الكهربائية٬ متفوقة على دول كانت تستقطبها في الماضي من أجل الحصول على هذه التقنية مثل ألمانيا واليابان.

 لكن مازالت شركات التقنية الناشئة الأمريكية في المركز الأول على مستوى العالم٬ وتحديداً في قطاع النقل والمواصلات٬ وتعتبر شركة أوبر الأمريكية هي أحد أبرز معالمه٬ بإستخدامها للتقنية الحديثة التي أستطاعت من خلالها تغيير أو زعزعة ((Disruptive نموذج أعمال هذا القطاع٬ وأصبحت مع ظهور الشركات الناشئة الأخرى٬ تمثل تهديداً للشركات التقليدية فيه.

تصل قيمة أوبر اليوم إلى ٧٠ مليار دولار٬ تتخطى قيمة كلاً من شركة فورد للسيارات وشركة جنرال موتورز٬ وتعتبر أعلى قيمة لشركة ناشئة (Startup) خاصة في العالم. وتعمل الشركة من خلال عدد من الخدمات والمنتجات التي تستهدف شرائح مختلفة من العملاء مثل نقل الأفراد وتوصيل الطعام. وتعمل حالياً على تجربة خدمة التوصيل اللوجستي بإستخدام الدرونز٬ والتي سوف تكون أسرع وبتكلفة أقل بكثير من خدمة التوصيل الأرضي. وتعمل أيضاً على تطوير السيارة بدون سائق   self-driving))٬ والتي يتوقع لها دارا المدير التنفيذي لإوبر أن يتم توفيرها في السوق الأمريكي مع نهاية ٬٢٠٢٠ والتاكسي الطائر الذي مازال تحت التجربة.  

لكن وبالرغم من نجاح أوبر بالعمل في ٧٥ دولة حول العالم٬ لم يساعدها ذلك في مقاومة الخسائر المالية التي لحقت بها في السوق الصيني٬ والتي تقدر بـ ٢ مليار دولار٬ نتيجة المنافسة من شركات التقنية الناشئة الصينية٬ وتحديداً من شركة ديدي التاكسي آب٬ والتي تستحوذ على ٨٠٪ من حصة السوق الصيني٬ والذي مكنها من الإستحواذ على أوبر عام ٢٠١٦ مقابل حصول شركة أوبر على ١٨٪ من ملكية الشركة. وتتميز ديدي في تقديمها لعدد من الخدمات الإضافية في السوق الصيني٬ مثل الباصات الصغيرة والباصات متوسطة الحجم٬ والسيارات الفاخرة٬ وتأجير السيارات٬ وأيضاً توفير سائقين لقيادة سيارات الملاك وتوصيلهم من مكان إلى أخر٬ وتعمل في السوق الصيني ودول جنوب شرق آسيا٬ وتقدر قيمتها اليوم بـ ٥٠ مليار دولار.

والجديد بالذكر أن صندوق الإستثمارات العامة السعودي يستثمر في كلا الشركتين٬ أوبر وديدي٬ بالإضافة إلى إستثمار الصندوق في شركة تسلا مؤخراً٬ وجميعها تعتبر من شركات المستقبل التي تعمل في قطاع النقل والمواصلات.

وتعتبر شركة تسلا من أهم شركات التقنية الحديثة العاملة في مجال السيارات الكهربائية٬ وتعمل الشركة في أكثر من ١٥ دولة٬ وباعت ما يقارب ١٠٠ ألف سيارة كهربائية (electric-vehicle) في العام الماضي٬ وتعمل الأن على تصنيع منتجات جديدة مثل الشاحنات الكهربائية ذاتية القيادة والسيارات الرياضية٬ والتي يتوقع طرحها في الأسواق في الأعوام القادمة٬ وتتوقع أن تصل مبيعاتها إلى ٥٠٠ ألف في عام ٢٠٢٠. والبرغم من أن ٨١٪ من السيارات الكهربائية المستوردة إلى الصين هي تسلا٬ إلا أنها تمثل ٢٫٥٪ فقط من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية٬ مما يدل على أهمية حجم الطلب على السيارات الكهربائية في السوق الصيني.

وتخطط الحكومة الصينية إلى إيقاف بيع السيارات ألتي تعمل بالبنزين والديزل في عام ٬٢٠٣٠ حيث قامت العام الماضي ببناء ١٦٧٫٠٠٠ محطة كهربائية٬ وتعمل على زيادة عدد هذه المحطات في المستقبل بحيث يكون متوسط المسافة بين كل محطتين ٥ كم بدلاً من ٥٠ كم في الوقت الحالي.

ويعمل عدد كبير من الشركات الناشئة الصينية في صناعة تقنية السيارات الكهربائية٬ بدعم وتمويل من الحكومة الصينية٬ منها على سبيل المثال شركة نيو ((Nio٬ التي تأسست عام ٬٢٠١٥ وألتي يتوقع لها أيضاً أن تكون منافس قوي لشركة تسلا٬ ليس في الصين فقط ولكن على مستوى العالم٬ علماً أن ٩٤٪ من الآلات وقطع الغيار والأجهزة المستخدمة في هذه الصناعة مثل تقنيات الإستشعار والشرائح الإلكترونية والبطاريات يتم صناعتها محلياً في الصين Original Equipment Manufacturers (OEMs).

وأخيراً مازلنا في الإقتصاد٬٢ إقتصاد المعرفة القائم على التقنية والإبتكار٬ والصناعات المتقدمة التي تعتمد على بنية تحتية متقدمة ومهارات تعليمية عالمية تقوم بجمع البيانات وتحليلها والذكاء الإصطناعي والهندسة٬ وتسير بسرعة عالية تفوق سرعة القطارات مروراً بالسيارات الكهربائية والدرونز٬ ليس في أمريكا والصين فقط٬ بل في جميع إنحاء العالم.

خاص_الفابيتا