اقتصاديات المعرفة

03/02/2019 0
عبد الرحمن بسيوني

فكرة فتطبيق فشركة، هذا هو بإختصار قصة الشركات الناجحة التي تعمل اليوم من خلال المنصات الإلكترونية والتطبيقات، والتي يطلق عليها بالإقتصاد التشاركي Shared Economy، والذي يعني أن الكل له الحق في العمل والمشاركة في جزء من أعمال الشركة الرئيسية، وهو أحد فروع الاقتصاد المعرفي، الاقتصاد القائم على الإنترنت وتحليل البيانات الكبيرة والذكاء الإصطناعي.

فالفكرة غالباً ما تكون لحل مشكلة ما، بتقديم خدمة أفضل، أو بتكلفة أقل عن المنافسين، يأتي بعدها عملية الإبتكار، وهي الطريقة التي يتم بها إستخدام التقنية لحل هذه المشكلة، وجعلها متوفرة وسهلة التطبيق للمستفيدين، وذات قيمة اقتصادية للأفراد ولرواد الأعمال وللمجتمع.

يوجد نوعان من الاقتصاد التشاركي، الأول يطلق عليه الاقتصاد جيج Gig Economy، وهو ما يقوم به الأفراد من أعمال مستقلة ومؤقتة بناءاً على مهاراتهم كالإستشارات والبرمجة أو التصميم. والنوع الأخر هو ما يعرف بالاقتصاد التعاوني Collaborative Economy وهو مشاركة الأفراد أعمال الشركة بناءاً على أصولهم وليس مهاراتهم فقط، مثل السيارة في اوبر Uber والمنزل في اير بي اند بي Airbnb، أو العكس بإستخدام الأفراد لإصول الشركة من خلال التطبيق الخاص بها، مثل الشركة الصينية اوفو OfO لمشاركة الدراجات الهوائية، والتي تعتبر من الأفكار المبتكرة الحديثة وأحد قصص الشركات العالمية الناجحة، التي يجب الإشارة إليها.

تم إبتكار فكرة شركة أوفو، بسبب إحباط مجموعة من الطلاب في جامعة بيكنك الصينية من سرقة دراجتهم بإستمرار، والتي تمثل لهم الوسيلة الوحيدة للتنقل والقيام بإعمالهم اليومية، فالحاجة هي أم الإبتكار. وبمساعدة من أستاذتهم، قامت الجامعة بتبني الفكرة ودراستها وعرضها على المستثمرين، ومن ثم قامت شركات التقنية الصينية الكبرى علي بابا وتنسنت بدعم الفكرة تقنياً، ومالياً عن طريق صناديق رأس مالها الجريء، المخصصة للإستثمار في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

تأسست شركة أوفو عام ٢٠١٤ في مدينة بيجنغ الصينية، وبعد ٣ سنوات توجهت نحو السوق العالمي، وتمتلك اليوم ١٥ مليون دراجة، تعمل في ٢٠٠ مدينة حول العالم، تشمل كلاً من الصين وأمريكا وسنغافورة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، ويعمل بها أكثر من ١٬٥٠٠ موظف في مختلف التخصصات مثل البرمجة والهندسة وأمن المعلومات والتسويق وخدمة العملاء. تقوم الشركة بتأجير الدراجات عبر تطبيقها الخاص، الذي يسمح للمستفيد تركها في أي مكان أمن بعد الإنتهاء منها لمستفيد أخر، وتختلف أجرة التأجير من مدينة إلى أخرى، حيث يعتبر دولار واحد هو متوسط التكلفة لكل ٣٠ دقيقة في أمريكا، و٢٥ سنت في الصين. وبحسب مجلة فوربس يبلغ عدد مستخدمي الخدمة يومياً ٢٥ مليون، ولديها أكثر من ٢٥٠ مليون مسجلين في قاعدة بياناتها، وتقدر قيمتها اليوم بـ ٣ مليار دولار، قبل ضخ صندوق رؤية سوفت بنك ٢ مليار دولار عام ٢٠١٧، لتصل قيمتها إلى أكثر من ٥ مليار دولار.

وكما هو الحال مع الشركات الناجحة، فلا بد من مواجهة بعض التحديات، حيث أعلنت الشركة مؤخراً من تقليص أعمالها في السوق الأمريكي، وذلك بسبب المنافسة الشرسة من الشركات الأمريكية مثل أوبر ولفت، وعدم جاهزية البنية التحتية للدراجات الهوائية في بعض المدن التي تعمل بها، أو التي يفضل سكانها قيادة السيارات، لكن ذلك لم يمنع الشركة من إعلان توسعها في أسواق أخرى أكثر جاذبية، وطرح منتجات جديدة مثل الدراجة الهوائية الكهربائية والسكوتر.

وأخيراً ما أود قوله بإختصار، هناك مسميات اقتصادية ونماذج أعمال جديدة ظهرت حول العالم، بسبب التقدم التكنولوجي والتقنية الحديثة في إبتكار مشاريع وبرامج كان من الصعب تطبيقها في الماضي. هذه الأفكار والإبتكارات هي أهم ما يقوم عليه اقتصاد المعرفة اليوم، بجانب بعض الأسس التي من أهمها التعليم والتدريب وتبني هذه الأفكار، والبنية التحتية الجاهزة والتشريعات التي تسهل تطبيقها، والتمويل الذي يقوم بتحويلها إلى واقع، وبالتالي سوف يساهم في خلق شركات ناشئة وفرص عمل جديدة، تساعد في زيادة القاعدة الإنتاجية وتنويع الإقتصاد المحلي لهذه الدول.

خاص_الفابيتا