خلص اجتماع "أوبك +" في 31 آذار (مارس) إلى أنه لا حاجة إلى تغيير خطط الإنتاج الحالية، ووافق على رفع سقف إنتاج المجموعة بمقدار 432 ألف برميل يوميا أخرى بدءا من أيار (مايو). قرار المجموعة هذا يتماشى إلى حد كبير مع توقعات السوق. استمر اجتماع لجنة المتابعة الوزارية المشتركة للمجموعة JMMC أقل من 20 دقيقة للاتفاق على هذه التوصية. بدأ اجتماع "أوبك +" على الفور، واستمر 12 دقيقة فقط، ما يشير إلى الوحدة القوية للمجموعة في استراتيجيتها الإنتاجية. وأشار الاجتماع الوزاري الـ 27 لـ"أوبك +" إلى أن "استمرار أساسيات سوق النفط والإجماع على التوقعات يشير إلى سوق متوازنة بشكل جيد، وأن التقلبات الحالية ليست بسبب العوامل الأساسية، ولكن بسبب استمرار التطورات الجيوسياسية".
فيما أقرت "أوبك" في الاجتماع الاستثنائي رقم 183 للمنظمة استبدال بيانات وكالة الطاقة الدولية بـ"وود ماكينزي" Wood Mackenzie، و"رستاد إنرجي" Rystad Energy كمصادر ثانوية لتقييم إنتاج الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط. إن استبعاد اللجنة الفنية المشتركة بيانات وكالة الطاقة الدولية في مراجعة الإنتاج "ليس سياسيا"، وإنما "بني على عدم دقة البيانات الواردة من الوكالة، وتغييرها بشكل مستمر بما يتوافق مع مواقفهم دائما، وهذا يتناقض مع المقاييس التي تتبعها منظمة أوبك وتحالف "أوبك +".
هذه المرة، لا يبدو أن أحدا مندهشا من قرار "أوبك +"، والسبب هو أنه في الشهرين الماضيين، كانت "أوبك" وحلفاؤها في "أوبك +" بقيادة روسيا في حالة تناغم ملحوظ. ويبدو أنهم سئموا من ضغوط المستهلكين.
في هذا الجانب، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن "أوبك +" ستبعد السياسة عن عملية صنع القرار لمصلحة "الصالح العام" المتمثل في استقرار أسعار الطاقة. في حديثه لشبكة سي إن بي سي CNBC الإخبارية، وأضاف أن وجود المنظمة ذاته يعتمد على فصل مهمتها في تثبيت أسعار النفط عن العوامل الجيوسياسية الأخرى. "عندما يتعلق الأمر بأوبك – سأستفيد من هذا الامتياز بالقول إنني موجود فيها منذ 35 عاما، وأعرف كيف تمكنا من فصل خلافاتنا السياسية عما هو من أجل الصالح العام لنا جميعا". "هذه الثقافة تسربت إلى (أوبك +)، لذلك عندما ندخل غرفة اجتماعات (أوبك)، أو مبنى (أوبك)، يترك الجميع سياسته عند الباب الخارجي لذلك المبنى، وهذه الثقافة كانت معنا". وأشار وزير الطاقة إلى أن "أوبك" و"أوبك +"، التي تشكلت بعد الاتفاق على صفقات خفض الإنتاج مع دول من خارج "أوبك" بما في ذلك روسيا، تعاملتا مع دول مختلفة متورطة في صراع أو أعمال عدوانية عبر تاريخها، بما في ذلك العراق وإيران.
من ناحية أخرى، أطلق وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي ملاحظة واقعية في وقت سابق من الأسبوع الماضي عندما انتقد الدول الغربية لامتلاكها ما يمكن وصفه بأنه موقف منافق تجاه الوقود الأحفوري. وقال في منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي: "أعتقد أنه في الدورة الـ 26 لمؤتمر الأطراف COP 26، شعر جميع المنتجين بأنهم غير مدعوين وغير مرغوب فيهم، لكننا الآن أبطال خارقون مرة أخرى، إن الأمور لن تعمل على هذا النحو". ذهب الوزير الإماراتي لشرح أساسيات صناعة النفط، مؤكدا أن الإنتاج مرتبط بالتخطيط طويل الأجل، وهو ما يتعارض مع الدعوات - والإجراءات - بشأن خفض الاستثمار من أجل ضخ مزيد من الأموال في الطاقة المتجددة.
بالطبع، كان ينبغي أن يكون هذا الأمر واضحا لجميع المطلعين على أساسيات الاقتصاد، ولكن يبدو أن هذا قد غاب حاليا عن بعض المسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة أو تجاهلوا. يبدو أن منطقهم هو أن منتجي النفط لديهم مصلحة قوية في بيع نفطهم أثناء الطلب عليه لأنه في غضون 20 عاما، وفقا لخطط تغير المناخ، لن يكون الطلب بهذه القوة. إن هذا منطقي وقد أدركه منتجو النفط أنفسهم. هذا، جزئيا على الأقل، هو الذي حفز المملكة والإمارات على الاستثمار في تعزيز طاقتيهما الإنتاجية. حيث تهدف المملكة إلى زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل في اليوم وتتطلع الإمارات إلى إنتاج خمسة ملايين برميل في اليوم.
يجب أن تكون هذه أخبارا جيدة للمستهلكين المتعطشين للنفط، لكن هذه الطاقات الإنتاجية لن تكون جاهزة هذا العام بينما المستوردون، وتحديدا في أوروبا، حرصاء على تقليل اعتمادهم على النفط الروسي في الوقت الحالي، بحلول نهاية العام. سيكون البديل الواضح للنفط الروسي هو النفط القادم من الشرق الأوسط، ولكن كما أوضح جون كيمب محلل "رويترز" أخيرا، أن قول ذلك أسهل من فعله.
على الرغم من أن وجود أسواق جديدة، من الناحية النظرية، يمثل أخبارا جيدة لمصدري النفط، إلا أن "أوبك" لا تزال تحد من إنتاجها، ويفشل بعض الأعضاء في ضخ الحصة المحدودة لهم ضمن اتفاق "أوبك +". كذلك، تحويل مسار تدفقات النفط من آسيا إلى أوروبا ليس له معنى استراتيجي كبير: أوروبا تعد سوقا نفطية في تراجع، على عكس آسيا. بعبارة أخرى، لا يملك المنتجون خصوصا دول الخليج العربي حافزا لبيع مزيد من النفط إلى أوروبا. وليس لديهم حافز للانضمام إلى الإدانة الغربية لروسيا.
في هذا الجانب، ردد وزير الطاقة الإماراتي تصريحات الأمير عبدالعزيز، الذي سلط الضوء أيضا على أن المنظمة استمرت في العمل بينما كان بعض أعضائها في حالة حرب، دون انحياز. وأضاف أن مهمتها الوحيدة هي "استقرار السوق".
يبدو أن "أوبك" و"أوبك +" أقوى الآن من أي وقت مضى. من الصعب تصديق أنه قبل عامين فقط، انخرطت المملكة وروسيا في خلافات حول سياسات النفط، ما أدى بالفعل إلى انخفاض الأسعار بحدة قبل أن يبدأ الوباء. لكن اتفقت الاثنتان بعد ذلك وكانتا تعملان في وئام منذ ذلك الحين على استقرار أسواق النفط.
"أوبك" لها أولوياتها، وهي تتمسك بها، حتى في مواجهة الضغوط المتزايدة من شركائها السياسيين في الغرب. قد يحتاج هؤلاء إلى أن يكونوا أكثر إقناعا في تأكيداتهم بأنهم ملتزمون بهذه الشراكة، حتى هذا قد لا يكون كافيا لإقناع "أوبك" بإنتاج مزيد من النفط، خصوصا إذا كانت الأسواق متوازنة بشكل جيد.
نقلا عن الاقتصادية