الأولويات الاقتصادية

13/11/2016 9
فواز حمد الفواز

لابد من اعادة النظر في الأولويات الاقتصادية. الحديث الاقتصادي لا يخرج عن استحقاق الاقتصاد السياسي حيث ان الترتيب السياسي ينتج عنه تشكيل اقتصادي معين - حين يكون الاقتصاد توزيعي-  دخل مستقل عن الحراك الاقتصادي تكون الاعتبارات السياسية مهمه جداً هذا احد أطراف الحيز والمدى الذي نعمل فيه، الطرف الاخر يتمثل في مثالية ما نصبو اليه: اقتصاد مستدام مبني على النمو وماكنة الإنتاجية والتمويل من خلال الضرائب وآلية التفاعل الطبيعي في اقتصاد السوق ومقتضياته التنظيمية و النظامية.

بينهما استحقاقات الواقعية والقدرة على الحراك و الكفاءة في النخب و المجتمع.

حين نتحدث عن تحول اقتصادي في دولة نامية و اقليم لا يقدم الكثير كنبراس وخلفية تنظيمية متواضعة يصبح التحدي مضاعف ولكنه ليس مستحيل. نحن بين ثنايا هذا الاطار التنظيري، قبولنا بالواقعية نقطة بداية مقبولة.

الواقعية تعني انك لا تعيش على مساعدة الاخرين  او حتى الديون وتعني ان هناك حراك ومحاولات وتعني خطوات عملية اتخذت لتقليص التكاليف وتعني قبول ان هناك حالة من الوعي والتعاون مع الحكومة. ولكن في المقابل هناك عدم وضوح في الأولويات ومخاطر.

من هذا المنطلق ارى ان هناك حاجه لمراجعة الأولويات.

حين يكون ميدان التغيير والتحديث تنموي (نقل المملكة ليس اقتصاديا فقط وانما اجتماعيا ونظاميا وتنظيميا) واقتصاديا (الاعتماد على عوامل الانتاج الوطنية ورفع فعاليتها وإنتاجيتها) يكون التحدي نوعي وبصراحه في نسق مختلف عن ما طرح من خلال دراسات ماكنزي وبوستن قروب وبوز الن وأخواتهم وما نتج عنها عن أطروحات وبرامج.

الاعتقاد انه سوف يكون هناك نقلة نوعية اقتصاديا دون تحول في الأرضية الاجتماعية ومقومات الاقتصاد اقرب الى الخيال ونتيجة مباشرة للاستعانة بشركات استشارية لأتعرف الكثير عن المجتمع في احسن الاحوال وتقتبس دراسات سطحية من هنا وهناك لجني المال السريع على الأسوأ، المبالغة في الاستعانة بهؤلاء تعني التركيز على الامور الفنية دون إجماع على الامور الاساسية وتعني عمليا ان الاستشاري لن يستطيع بيع الفكرة على المسؤول المباشر عن التنفيذ ولذلك سوف تجد هذه الدراسات طريقها الى الأدراج مثل ما سبقها، و لذلك لابد من اعادة النظر في الاولويات . من يجد ما طرح أعلاه غير مقبول لن يجد بقية المقال مفيدة.

الاولى ان نبتعد عن الدائرة المالية بمعنى ان يصبح همنا وتركيزنا على الأبعاد والمقتضيات الاقتصادية وليس الاعتبارات المالية  كالتخصيص وكانه مفتاح سحري.

التخصيص لغرض تجميع المال  تكريس للبعد المالي ومهرب الى الامام اكثر منه مسعى للفعالية في ادارة الموارد، اثبتت تجارب روسيا ومصر (تجارب مريرة) وحرص ايران (تخصيص من خلال تملك جهات حكومية وشبة حكومية لبعض القطاعات) على ان التخصيص دون قاعدة نظامية وتنظيمية عميقة مزلق خطير على اكثر من صعيد.

تقول كرن شودري أستاذة الاقتصاد في جامعه ستانفورد ان التخصيص لا ينجح اذا كان الجهاز الحكومي غير فاعل او ذات كفاءة منخفضه. بصراحه القطاع العام غير جاهز لعملية تخصيص مؤثرة.

من نواحي النزعة المالية أيضاً الاستثمار في الخارج وخاصة حين يكون الربط و الترابط مع الحيثيات الاقتصادية داخليا غير موجود او ضعيف.

أتفهم استثمار لغرض نقل التقنية و التكامل مع ما هو قائم لتعظيم قاعدة الإمداد ولكن استثمارات بغرض الكسب المالي في وقت عدم استقرار الحالة المالية اقرب الى المضاربة منه للاستثمار خاصة ان تجربتنا المالية الاستثمارية مقبولة وان لم تكن مروج لها، كذلك من الاعتبارات المالية الركض خلف الرسوم في كل خدمه تقدمها الحكومة لرفع مقدرات الحكومة المالية دون تغيير في القاعدة الاقتصادية، كما ان طبيعة وتوقيت الرسالة مهم أيضاً، فمثلا كنت ولا زلت من المطالبين برسوم على الاراضي ولكن النسبة جاءت عالية والتنفيذ كان متردد والغرض ليس تنظيمي اقتصادي عميق و لكن لغرض الاسكان مما أفقدها البعد المطلوب لتغيير تصرفات الفعاليات الاقتصادية.

الابتعاد عن التركيز المالي لا يعني عدم مركزية الخزانة بل ان لابد من وزارة مالية فاعلة و قويه ولكن دون تدخل في ادارة المشاريع او الاستثمارات.

الثانية من تجربة الرسوم الواضح ان هناك استعجال لا يمكن هضمه بسهولة او تنفيذه بكفاءة في نواحي كثيرة على خلفية تنظيمية متواضعة خاصة في ظل المبالغة بالاستعانة بالاستشاريين الأجانب.

الطموح والصبر والعمل المنظم الذي يمكن قياسه لا يمكن ان يفترقون والا ندخل متاهات اخرى. العامل المشترك بين التقدم الاقتصادي والتغيير التنموي هو قلة القرارات ونفادها الى حد تغيير تصرفات الناس، غيرذلك تصبح  مجمل التعديلات والاصلاحات على الطبقة الاولى من السطح و سرعان ما تزول عند اول هزة وأحيانا دون هزة.

الثالثة ان نقبل ان حجم اقتصادنا نفخ بسبب المقومات المالية في ظرف تاريخي يوشك على الانتهاء (التغير في قيمه النفط هيكليا) و لذلك لابد من قبول الاستحقاق السكاني.

لأسباب إيكولوجية لم يتكاثر السكان في اغلب الجزيرة العربية بينما سمح لنا النفط بتجاوز هذا المسار الإيكولوجي ولذلك لابد من محاولة اعادة السيطرة عليه (تجربة مصر المريرة يمكن اختصارها من هذا البعد حيث فقدت السيطرة على العامل السكاني). هذا القبول يحتم تقليل المهاجرين الاقتصاديين.

يبدو ان هناك خلط بين الحكومة والدولة في طبيعة العلاقة الاقتصادية بين الحكومة والقطاع الخاص، فينما تسعى الحكومة لتقليص التكاليف تستمر هذه التكاليف على الدولة ولذلك اعتبر التردد في تقليص السكان الوافدين خطيئة اقتصادية من الطراز الاول وبصراحه تدل على قصور في الفهم الاقتصادي على المستوى الاول، من مدلولاته ان وقعت الحكومة في خطا في المفهوم في الاعتقاد بان القطاع الخاص سوف يرفع من الحجم والحراك الاقتصادي من خلال دور غير متوازن بين المواطن والوافد بما يتضمن ذلك من الدعم والتعلم العملي الحقيقي. التخبط في سياسة وزارة العمل المكلفة و التداخل مع دور التعليم يحمل مدلولات لا تحتاج لشرح كثير.

الرابعة لابد من رفع دخول المواطنين  وخاصة في القطاع الخاص في المدى المتوسط وليس البعيد فقط وهذا لن يحدث في ظل منافسة غير عادلة مع الوافد لخدمه رجل اعمال لا يقدم الكثير عدى بيع منتجات الاخرين .

تكاثر الوافدين اجهز على أنماط العلاقة الصحية بين عوامل الانتاج (رأس المال والعامل والتقنية والقدرات التنظيمية)، واهدر الدعم الحكومي و جعلنا نتصرف دون قبول ظاهر او ضمني بالقوى الاقتصادية واحيانا التربوية.

تدريجيا انطلى ذلك على مسيرة التعليم والتطور الثقافي بما في ذلك من مستوى النقاش الاقتصادي كما نقرا في الكثير من المقالات الصحفية الاقتصادية الهابطة.

الخامسة لابد من التركيز على الصناعة و خاصة على ما تم من الصناعات البتروكيماوية  وخاصة تلك المرتبطة بالطاقة والمياه و السلع الاستهلاكية وصناعات السلاح .

تشتيت الطاقات البشرية والتنظيمية لن يمكنا من رفع الكفاءة والمنافسة عالميا ولكن حين تتميز في شيء تبدا بالتوسع والتشابك مع الدوائر الصناعية والخدمية ذات العلاقة.

ندعو القائمين على القرار الاقتصادي بتقديم برامج واضحه ومناقشتها من خلال مركز فكري وطني مستقل بمسافة واحدة من الجميع للتعامل مع الشأن الاقتصادي والتخلص من تبعات الماضي القريب مهما بدأت براقة من خلال عروض الاستشاريين وتسنيد القرار الضمني لهم.

ما نحتاج في هذه الفترة ليس مبادرات كثيرة او حتى قرارات كثيرة ولكن التركيز و قرارات قليلة  وقدوة حسنه تقلل نوافذ الفساد والتهرب من المسالة ولكنها نافذة الى حد تغيير منحى التكلفة في المجتمع و تغيير التصرفات والتبعات.

خاص_الفابيتا