دبي وخرافة الفقاعة

16/06/2016 5
آن بنت سعيد الكندي

اقتصاد الفقاعة، مصطلح نسمعه عند انتقاد النمو المتسارع لدبي، وهو يعطي انطباعا بأنه اقتصاد غير مستدام، لكنه ينطوي على نظرة قاصرة تغفل تفاصيل قصص نجاحات دبي.

المتتبع لمفهوم اقتصاد الفقاعة يعثر على أمثلة تاريخية عديدة مثل فقاعة سوق البناء في فلوريدا عام 1926 والأزمة العقارية الأميركية عام 2007 والتي تستمر آثارها حتى اليوم.

خلافا للنظرة السطحية، فإن ارتفاع سلعة ما إلى أرقام خيالية عبر المضاربة يجلب أموالا طائلة، ويحقق أهدافا تنموية لا يمكن إنكارها، مثل فقاعة السكك الحديد البريطانية في القرن الثامن عشر. فماذا تركت وراءها؟ لقد خفضت كلفة النقل وربطت المدن بشبكة يزيد طولها على 9 آلاف ميل.

لا ندافع هنا عن مفهوم الفقاعة، لكننا نؤكد أن الفقاعات لن تنتهي في العالم وهي مراحل عابرة، ولا يمكن اختزال النموذج الاقتصادي لأمارة دبي بالفقاعة.

أنشأت دبي بنية تحتية متطورة ومتكاملة بين مطاراتها وموانئها ومناطقها الحرة مما جعلها مركزا لوجستيا، وتمتد أهميتها إلى ارتفاع مستوى الكفاءة الإدارية وزيادة المزايا التنافسية.

إن تخصص المدن في أنواع معينة من الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية هو أحد أهم ركائز مفهوم المدن العالمية بحسب عالمة الاجتماع الأميركية ساسكيا ساسين، التي أسهمت في تعريف عالمية المدن.

دبي اليوم حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا وانفتاحها على قصص النجاح الاقتصادي في أفريقيا، حيث استقطبت الشركات الأميركية والأوروبية والآسيوية لفتح فروع أقليمية في دبي لإدارة مصالحها في قارة أفريقيا.

ما كان لدبي أن تقتنص فرص نمو السوق الأفريقي أو غيرها من الفرص لولا تركيزها على التوسع في القطاع اللوجستي بعد أزمة الدين العقاري القاسية منذ 2008 خلافا للتوقعات، ومن نتائج ذلك انتزاع مطارها صدارة مطارات العالم من مطار هيثرو البريطاني.

ينبغي طرح أسئلة تزيل الجمود الذي فرضه الفكر الاقتصادي التقليدي على بعض المفاهيم الاقتصادية. وقد أثبت التاريخ مرارا فشل السياسات التقشفية. وحين كانت الهند على حافة الإفلاس عام 1990 أدار وزير المالية مانموهان سينغ دفة الاقتصاد باعتماد التوسع الاقتصادي بدل التقشف.

وقال سينغ للبرلمان حينها “بإمكاننا أن ننظر إلى الأزمة المالية الخانقة بالطريقة التقليدية ونشد أحزمتنا ونزيد بؤسنا.. آن الأوان لأن نتبنى فكرا طموحا”.

الإفلاس الفكري أشد وطأة على الدول من أي إفلاس آخر، فخزائن الدول إن نفدت لا يُخرجها من مأزقها سوى الفكر الاقتصادي المتحرر. فهل ستحدد التبعات الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط وارتفاع البطالة في الخليج، نوعية المسار القادم؟

لم تعد الطاقة الرخيصة والأيدي العاملة الرخيصة، المعياران الوحيدان لتنافسية للدول، بل يكسب الميدان أصحاب المهارات والقدرات البشرية والسطوة اليوم للتكنولوجيا.

السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تفضل الشركات متعددة الجنسيات مدنا على أخرى؟ وقد طرحته على خبراء الأسواق في مختلف التخصصات، وتنوعت الإجابات بشأنه لكنها أجمعت على كلمة واحدة هي “الحرية” بمفهومها الواسع الذي يشمل حركة رأس المال وحرية تنقل الأيدي العاملة.

والأهم من ذلك البيئة التي تسمح للأفكار أن ترى النور بحرية وتسمح بتكريس إطار قضائي مستقل، مثلما فعلت دبي في مركزها المالي. فهل ينسجم الفكر البيروقراطي مع هكذا حرية؟

اللعبة هي أن توفر ما لا يستطيع غيرك توفيره، وتسد ثغرات الاحتياجات الموجودة لعالم الشرق الأوسط، لا أن تبقى في دوامة ما تقدمه لك الشركات الاستشارية وتعجز عن تنفيذه.

إنه عصر الأفكار، وينبغي أن ندرك أن الأفكار المبتكرة لا ترى النور في بيئة تنتشر فيها رائحة البيروقراطية.

وها هي دبي تكسر الجمود والأفكار التقليدية، التي لا تزال تكبل معظم دول الخليج، وسط ذهول الأجيال الشابة التي ترفع الراية لكل جديد ومبتكر. لا يمكن كسر القوالب التقليدية النمطية، إلا بالفكر الريادي الذي يتخطى التحديات.

أوقعنا أنفسنا في فخ المقارنة حتى لم نعد نرى أسباب قصص النجاح. دع عنك من يقول “لا تقارن البرتقالة بالتفاحة، نحن دولة مترامية الأطراف لا يمكن مقارنتها بمدينة” فهؤلاء يغلقون باب التنافس ويخشون رياح التغيير.

نعم لن نقارن المدنية بدولة. لكن اعطني مدينة عالمية في الشرق الأوسط تضاهي دبي؟ لا توجد في قائمة مؤشرات المدن العالمية مدينة عربية واحدة غير دبي.

معايير كثيرة تفقدها المدن الخليجية مثل النشاط التجاري العالمي ورأس المال البشري وتبادل المعلومات والتنوع الثقافي والابتكار، فالفكر السطحي يختزل عالمية المدن في مباني ناطحات السحب.

يا ترى كيف ستكون دبي بعد انتهاء استعدادات إكسبو 2020؟ وهل سنقول إنها فقاعة الإكسبو؟ رغم أن المؤشرات ترجح احتمال ظهور فقاعة في أسعار العقار كنتيجة طبيعية لاستثمار أكثر من 9 مليارات دولار في البنية التحتية خلال فترة قصيرة.

نقلا عن العرب اللندنية