يقودنا الطموح أحيانا للتفكير و البحث عن حلول " كونية " فوقية و شامله للتعامل مع القضايا الاقتصادية بينما نتغافل عن الامور الجزئية التي تؤثر و تحرك الفعاليات الاقتصادية.
ليس الموضوع سقف الطموح و لكن عمل ما يمكن في ظل وضع مؤسساتي لة خصائص لا تتماشى غالبا مع الحلول الكونية.
كما ان الحلول الجزئية اكثر ارتباط بالنواحي العملية التي ممكن قياس تأثيراتها .
طبعا ليس هناك تناقض مبدئي بين الرؤية والتخطيط الاستراتيجي من ناحية و الحلول العملية والتنفيذية الجزئية من ناحية اخرى ولكن هناك حاجة لترشيد القرار.
بعد ما جربنا الخطط الخمسية على مدى أربعون عاما والتي تحدثت مرارا عن تنويع الدخل و التوطين بنجاح محدود حان الوقت للتواضع و الرجوع الى الارض لكي نتعامل مع الممكن حتى نصل " الكوني " بعد تراكم النجاحات و المعرفة و الثقة بالنفس.
التحول يحدث فقط حينما تتغير تصرفات الفعاليات من افراد الى شركات عامة او خاصة و ليس من خلال أطر واسعة تفقد التفاصيل العملية و الآنية الواضحة.
التطور الاقتصادي يحدث فقط حين تكون المؤسسات تدفع الى تكوين رأسمال مادي ومعرفي من خلال الفعاليات في سوق الخدمات والبضائع و الصناعة.
الخطوات المؤسساتية تاتي من خلال قرارات واشارات صغيرة هنا وهناك تحمل رغبة الفعاليات في المكاسب وتتظافر لتصب في التكوين الاقتصادي الجمعي.
الشرط الاول ان نتخلص من مركزية النظرة المالية فهذة لدينا تجربة طويلة فيها وليست اشكالية في المدى المتوسط في ظل قوة المملكة ماليا ، ولذلك علينا التركيز على الحلول الجزئية المؤسساتية.
التطوير والتحول لن يحدث بسرعة وان جاء بسرعة فقد يزول بسرعة لأسباب موضوعية و تاريخية.
لايمكن اختزال تجارب الدول المتوسطة ناهيك عن المتقدمة دون تمرير الخطوات الجزئية تدرجيا وتصاعديا.
هذا ما اقصد بالتواضع خاصة بعد ما حاولت تحدي العقلية التقليدية بنقد الجنوح نحو التنويع الاقتصادي دون تلمس الجذور المؤسساتية.
الخطوات المؤسساتية هي التي تؤثر على أنماط التصرفات الاقتصادية وحتى السلوكية وتكون عامة ولذلك تساعد في التحول الشامل في المدى البعيد.
كذلك تتسم عادة هذة الخطوات بسهولة التنفيذ نسبيا ، كما ان تكلفة التنفيذ ليست عالية في الغالب.
الخطوات كثيرة ولكنني بدات هذا العمود بذكر التواضع ولذلك لابد من حصر الخطوات.
الخطوة الاولى رسم بلدي على الاراضي ، الاحرى ان يكون نصف في المائة على كل الاراضي داخل النطاق العمراني و ربع في المائة على كل عقار تجاري وارض خارج النطاق العمراني.
الخطوة الثانية الحد من الهجرة الاقتصادية لتمكين المواطن من المشاركة الفعلية في العمل والتعلم المهاري والتقني وحماية رب العمل بالتخلص من المقصر وتقليل هدر الدعم لغير المواطنين.
الخطوة الثالثة حصر طلاب الجامعة على افضل أربعين في المائة من خريجي الثانوية العامة والتوقف عن دعم الجامعات الخاصة.
بعد ان تهضم الفعاليات هذة التأثيرات على مدى سنتين او ثلاث نكون مستعدين لحزمة اخرى من التغيرات المؤسساتية.
ما ينقل المجتمع هو محصلة التغييرات المؤسساتية والتقنية (في حالتنا يحدث نقل التقنية جزئيا على الاقل حين نأخذ بالتوطين حقيقيا و ليس شكليا).
الافضل في هذة المرحلة تفادي السياسات " الكونية " المركبة مثل التخصيص والتوسع في الخدمات والاستثمارات الخدمية خاصة تلك التي تعتمد على الوافدين.
تحميل هذة الكونيات على أطر مؤسساتية ضعيفة لن يؤدي الى عائد مجتمعي مجزئ .
ما يحدد الأداء والعائد هو درجة تفاعل المجتمع مع التغيرات المؤسساتية الجزئية.
تحملنا للتبعات سوف يعدنا لما هو أصعب ويعلمنا عن قدراتنا الحقيقية من ناحية اخرى.
جميل جدا. بارك الله فيك