قبل ثلاث سنوات أي في عام ألفين وسبعة وما قبله كان مالك العقار - مهما كان نوع هذا العقار- سيدا لا يجادله في ما يقول مجادل فإن قال : "أجر العقار الفلاني مئة ألف " فهذا قول فصل لا نقاش فيه ولا فصال وما على المستأجر سوى الإختيار بين أمرين لا ثالث لهما ، إما الإستجئار بمئة ألف أو المغادرة والبحث عن غايته عند مالك آخر قد يكون أشد صرامة من سابقه ..ولماذا لا يكون المالك قاسيا في تعامله مع المستأجر إذا كانت القوة الدافعة للطفرة قادرة على تعظيم ثروته في كل يوم إن لم نقل في كل ساعة ؟ بل لماذا لا يكون المالك صارما مع المستأجر إذا كانت طوابيرالمستأجرين طويلة ؟.. إذن هي قوى الطلب من صنع من مالك العقار "ملكا" متوجا على عرشه بلا منازع بل ويمكن القول أن الكثير من الملاك اعتقد أن مملكته راسخة في الأرض رسوخ الجبال وأنه قادر على فرض إرادته على أسعار الإيجارات إلى الأبد ولذلك عندما ظهرت بواكير الأزمة المالية العالمية واجهها في البداية بقلة اكتراث ورفض التنازل عن أي مكسب من مكاسب الطفرة .. بل لم يصدق أن في العالم أزمة وأن انعكاسات هذه الأزمة احتلت عقاره وبدأت تنخر فيه .
عندما ضربت الأزمة المالية العالمية أسواق المال في الربع الأخير من عام ألفين وثمانية ، ضحك ملاك العقار حتى شبعوا بل وسخروا وشمتوا بحملة الأسهم واعتقدوا أن الرياح أعجز من أن تصيب عقاراتهم بالأذى لكن اعتقادهم المفعم بالأمل تحول إلى ما يشبه الألم أو ربما المأساة خاصة بعد أن انتهاء العاصفة وتفقدهم أسعار عقاراتهم وقتها اكتشفوا أن خسارتهم لا تقل عن خسارة حملة الأسهم بل ويمكن القول أن خسارتهم كانت أبشع وجها وصورة من خسارة المضاربين في أسواق المال .
قد يكون من حق المالك التمسك بأجرة عقاره كما يشاء، لكن الواقعية أمر ضروري ، وكما كان المستأجر في الأعوام السابقة يرضخ لمشيئة- العرض والطلب – ويقبل بشروط المؤجر حتى لو كانت قاسية ومجحفة فقد جاء الدور اليوم على المالك "المؤجر" ليقبل بمشيئة –العرض والطلب – المستأجر بل وليس من العيب في شيء أن يسعى المؤجر إلى المستأجر في هذا الوقت العصيب خاصة وأن أسعار العقارات في تراجع قد يستمر حتى نهاية العام الحالي تماشيا مع توقعات الدكتور إيكارت وورتز- احد الذين تنبأوا بحدوث الأزمة المالية العالمية - الخبير الإقتصادي الذي توقع أن تنخفض أسعار العقارات في بعض مناطق دبي خلال العام الحالي نحو 30% ، وهذا التوقع لا يختلف كثيرا عما قالته شركة جونغ لانغ لاسال الإستشارية العقارية من أن سوق العقارات في إمارة دبي ستشهد خلال العالم الجاري استقرار انتقائيا .. وأن الإستقرار سيكون من نصيب العقارات المطلوبة فيما ستتراجع العقارات الأقل طلبا بنسبة قد تصل لنحو 15 % .
إن قبول المؤجر بالهبوط بأسعار إيجار عقاراته من قبة السماء إلى سطح الأرض أمر مطلوب وفيه الكثير من المصلحة العامة ، وإذا كانت كبرياء بعض المؤجرين تمنعهم من ترك قبة السماء فإن مؤجرين آخرين واقعيين بدأوا يتمسكون بمستأجريهم ويقدمون لهم المغريات من خصومات وتنزيلات وبدأ المستأجرون يرون إعلانات في الصحف وعلى الطرقات كانت قبل سنتين من الآن بمثابة الحلم، وفي بعض الإمارات ظهرت إعلانات طريفة تقول : " استأجر من المالك مباشرة ..واحصل على هدية رائعة " ويبدو أن هذه الإعلانات هي بداية الطريق الصحيح لإعادة صياغة المعادلة المشوهة التي كانت قائمة بين المالك والمستأجر .
لاشك أن انخفاض كلفة الإيجارات أمر حيوي جدا لأي مدينة تجارية وسياحية وخدمية وإذا كانت نسب إشغال العقارات الجاهزة قد انخفضت خلال الفترة الماضية في مدينة دبي وباقي المدن فإن تدفق المستأجرين سيعود تدريجيا بالتزامن مع عودة المستثمرين إليها لأنها - دبي - ستبقى كسابق عهدها مستقطب رئيسي للإستثمارات الأجنبية ، وإذا كان ارتفاع كلفة الإيجارات في السابق سببا في هروب بعض الشركات من جحيم " الغلاء والتضخم" فإن انخفاض هذه الإيجارات إلى أرقام تنافسية سيعيد بلا أدنى شك تلك الشركات إلى عنوانها السابق مرة أخرى لأن البنيتين " التحتية والفوقية " في دبي هما الأفضل على مستوى المنطقة بلا منازع .