العلاج والجراحة التجميلية ليسا ترفاً، إنما علم قائم، وُجد لحلول يحتاج إليها مَن هم بحاجة ماسة لها، لكن بعض الممارسات أحالته ليكون الانطباع عنه بأنه ترف. وفي الحقيقة، إن هذا النوع من التخصص يخدم الكثير ممن يحتاجون إليه، ويغيّر من واقع حياتهم.
وفي قضية التستر التجاري فإن الجراحة التجميلية تبدو ملحة جداً؛ حتى يستقيم قطاع الأعمال، وتُزال هذه التشوهات الكبيرة فيه.
ولا بد من التذكير بأن نظام مكافحة التستر التجاري عالج في مواده طرق التعامل معه، ووضع عقوبات جيدة، إضافة لتعريفه، وحدد المسؤوليات، وأعطى الصلاحيات لوزارة التجارة والصناعة لمعالجته جذرياً؛ فالتستر يفضي إلى أضرار بالغة بالاقتصاد الوطني، سواء بانعدام التنافسية والغش التجاري، إضافة إلى ارتفاع الحوالات المالية للخارج.. إلخ.
وفي النظر إلى بعض الأرقام فقد تم تقدير حجم التستر التجاري بما لا يقل عن 236 مليار ريال قبل عامين، وفق دراسة أجرتها جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، بدعم من كرسي محافظ مدينة جدة الأمير مشعل بن ماجد لأبحاث التستر التجاري.
وحتى لو كان هذا الرقم متحفظاً فإنه يعادل نحو 10 % من الناتج المحلي.
وأيضاً، فإن حجم الحوالات لعام 2015 م عند 157 ملياراً، تعادل 66 % من حجم التستر التجاري، بينما تزيد هذه الحوالات بنحو 40 مليار ريال عن حجم رواتب العمالة الأجنبية حسب إحصاءات وزارة العمل، التي تبلغ 117 مليار ريال، يتقاضاها نحو 8.4 مليون وافد، أي أن رواتبهم مجتمعة تعادل 49 % من حجم التستر التجاري.
يضاف إلى ذلك أن حجمه يعادل تقريباً 24 % من الإنفاق الفعلي بالميزانية العامة للدولة للسنة الماضية.
كل هذه الأرقام والمقارنات تكشف عن أن هناك خللاً كبيراً بقطاع الأعمال، وأن التستر يضرب بأطنابه فيه، وهي تشوهات تراكمت على مدى عقود، وخصوصاً في السنوات الـ12 الأخيرة؛ إذ تضاعفت الحوالات للعمالة الوافدة من 36 مليار ريال عام 2004م إلى 157 مليار ريال عام 2015م، أي بأكثر من أربعة أضعاف. فيما زاد عدد الوافدين خلال الفترة نفسها بنحو 59 %.
إن مشكلة التستر التجاري تبدو كثقافة اقتصادية بمجتمعنا، تأصلت وترسخت ونمت تحت أعين وزارة التجارة منذ عقود، ولا تبدو الأنظمة التي وُضعت - رغم ما تحمله من قوة - قادرة على المعالجة الحقيقية. مع العلم بأن الوزارة نشطت في السنوات الأخيرة لمكافحة التستر، لكن إلى الآن فإن جزءاً كبيراً من الأنشطة التجارية واضح مدى تغلغل هذا التشوه الكبير والعيب فيها، بل الأغرب من كل ذلك أن كل نشاط تسيطر عليه جنسيات معينة.
فعلى سبيل المثال تجارة وصيد الأسماك أغلبها جنسيات شرق آسيوية، تتحكم في السوق، وكذلك في تجارة التجزئة للمواد الغذائية من تلك الجنسيات نفسها، بينما المقاولات بالمنشآت الصغيرة، إضافة لنشاطات تصنيعية متوسطة أو صغيرة وتجارة مواد البناء، تجد جنسيات عربية هي الأبرز في السوق.
ولا يختلف الأمر كثيراً في القطاعات الصحية والتعليمية كخدمات ومواد تباع بالسوق، أو في مجال التقنية وبيع الأجهزة الإلكترونية في الأسواق المعدة لها.
وواقعياً، لا أعتقد أن هذه المعلومات خفية على أحد، سواء جهات كالتجارة، أو حتى عامة الناس؛ فهم يلمسونها يومياً، سواء بتعاملهم معها، أو إذا قرر أحد تأسيس منشأة بأي نشاط يجد مجال المنافسة محدوداً، ويصعب اختراق السوق في ظل تحكمهم فيه.
إن الحلول لا تبدو من المعجزات، أو يمكن تصنيفها بالمستحيلة؛ فحجم الحوالات يكشف أن التستر التجاري قد يكون ثلاثة أضعافها.
أما طريقة محاصرته فيجب أن تدخل مرحلة مختلفة، يتم فيها كشف حقيقة سيطرة التستر على كل قطاع، من خلال إعادة تنظيم قطاع الأعمال.
وبمعنى أدق، القيام بجراحة تجميلية، تكشف حجم نشاط كل منشأة مهما كبر أو صغر حجمها، حتى المحال الصغيرة كالبقالات، من خلال الاطلاع على حجم مبيعاتها والحوالات الصادرة، سواء من العاملين بها أو المتستر نفسه، إضافة إلى تفعيل دور أكبر للجهات الحكومية إذا كانت تتعامل مع أي منشأة، توفر لها خدمات أو أعمالاً، بأن تتأكد من جوانب تثبت أن مالك المنشأة ليس متستراً، إضافة إلى اللجوء إلى إقرار أنظمة كالضرائب على الحوالات عندما تكون أعلى من دخل الوافد المسجل، وقصر العمل بأنشطة على المواطنين تدريجياً، أي ليس فقط أن تكون المنشأة باسمه بل أن يكون هو من يديرها، ويتفرغ لها، وخصوصاً تلك التي تتعاقد مع جهات حكومية، إضافة إلى تغيير بنسب السعودة، يكون أكثر مرونة وفاعلية؛ إذ يشترط تولي المواطنين مواقع إدارية تنفيذية عليا بتلك المنشآت، وأيضاً لا بد من دعم المواطنين الذين يؤسسون منشآت صغيرة ومتوسطة بما يكفل توفير بيئة صحية لتنافسيتهم، وإعادة سيطرتهم على السوق.
أما من ناحية العقوبات فإذا كانت تتضمن السجن والغرامات والإبعاد للوافد المتستر عليه فإن تغليظ العقوبات أضعاف ما هو معتمد حالياً سيكون له تأثير كبير بسرعة الحد من التستر، مع الرقابة على الحسابات للمنشآت، وكذلك الحوالات.
التستر التجاري يُعدُّ نوعاً من الفساد، وينخر في الاقتصاد، وله عواقب وخيمة، يبرز منها الكثير حالياً، ومن أهمها البطالة المرتفعة، والحوالات الكبيرة، والغش، وغيرها. ومعالجته أمر رئيسي وضروري، ولا يحتمل التأخير.
وما دامت الأنظمة الحالية - رغم أهميتها - غير كافية لتقليصه حتى يتم القضاء عليه فإن تعديلها وتوسيع تغطيتها للجوانب كافة التي تسهم بمحاربة التستر تبدو أولوية في وقتنا الحالي؛ حتى يستقيم وضع قطاع الأعمال، وتُعالَج تشوهاته.
نقلا عن الجزيرة
عينيك الجميلتين تنظر لنا بواقعيه ، شكرا بعدد حروف مقالاتك اليومية .
لابد ان نعترف بأن المواطن السعودى هو السبب الرئيسى للتستر وتهريب الوقود و السعودة الوهمية وكل الموبقات والتشوهات المصاب بها الاقتصاد تشاركه الدولة فى ذلك بضعف التشريعات وعدم تطبيق ماهو قائم منها بالحزم المطلوب بالاضافة الى الفساد الادرى المتفشى فى اوصال الجهاز الحكومى والذى اصبح ثقافة مجتمعية واحذر انه ظل انخفاض اسعار النفط فأن هذا الفساد سيتفشى اكثر وسيصبح طلب الرشوة عينى عينك من جميع المستويات حتى من الموظف الصغير .