توطين الوظائف.. شرّ البلية ما يضحك

03/02/2016 4
د. عبدالعزيز المقوشي

قبل أكثر من ثلاثين عاماً كتبت مقالة في إحدى الصحف المحلية عن إشكالية التوظيف في المملكة العربية السعودية حيث كانت بدايات ظاهرة عدم توفر فرص وظيفية للخريجين السعوديين تلوح في الأفق، وكنت اقترحت في تلك الفترة أن تتم المعالجة من الآن "أي في بداية الظاهرة" وذلك من خلال محورين رئيسيين سهلي التنفيذ يتمثل أحدهما في الإغلاق الموقت للأقسام العلمية في الجامعات السعودية في التخصصات التي تشبع الوطن بها، بينما يتمثل المحور الآخر في التوسع ببرامج تأهيل الجامعيين والتي كان لبعض القطاعات وخاصة معهد الإدارة العامة دور بارز فيها حيث يتم من خلال برامج التأهيل تحويل الشاب من عاطل إلى مواطن فاعل يحمل تخصصاً مختلفاً يحتاجه الوطن، ومنذ تلك الفترة وحتى الآن وأنا أرقب بكثير من الغصة الجهود غير الناجحة في توطين الوظائف في وطننا العزيز، وأستغرب ذلك، فنحن وطن يمتلئ بالمفكرين والمتخصصين والمخططين أيضاً، فكيف نعجز عن معالجة أمر بسيط مثل هذا؟

وطننا يغص بالمتعاقدين غير السعوديين في تخصصات لا تتعصى على السعوديين مطلقاً.. فأين الخلل؟.. وفي وطننا أعداد هائلة من السعوديين حاملي الشهادات المختلفة من الجامعية فما دون وما فوق أيضاً عاطلون عن العمل ومؤثرون سلباً في الأداء التنموي الوطني.. فلماذا؟

وقد صفعني كما أظن أنّه يصفع كل مواطن مخلص أن تكون نسبة غير السعوديين في الجامعات الحكومية "وليس الخاصة" 42% وهي نسبة صادمة وصارخة في الوقت نفسه عند النظر إلى أنّ المبتعثين مثلاً يمتلئ الوطن بهم وكذلك جامعات العالم المتميزة دون أن تتاح لهم فرصة "حق" الحصول على وظيفة أكاديمية في الجامعات الحكومية، فكيف بالجامعات الأهلية أيضاً؟.

ويذكرني هذا الموضوع بحادثتين لا يمكن أن أنساهما: الأولى كانت لي عندما التقيت شاباً يعمل في مركز صحي بوظيفة بسيطة وبمرتب ضعيف جداً وبعمل موقت أيضاً بينما هو حاصل على شهادة البكالوريوس في تخصص علمي يحتاجه الوطن.. لم أستطع تغافل هذا الأمر فاستقطبته إلى إحدى الجهات التي كنت أعمل بها وحصل على مرتب يستحقه ثم انتقل بعد فترة إلى مجال آخر في قطاع آخر استقطبه لتميز تخصصه وجودة أدائه، والثانية تتعلق بإعلامي كان له مساهمات إعلامية واضحة، وحصل على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الفرنسية وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية إضافة إلى العربية لكنه لم يتمكن من الالتحاق بالجامعة عضو هيئة تدريس بحجة أنّه لا يملك ما يُسمى "امتداد التخصص" الذي يعني أن تكون جميع شهاداته في تخصص واحد.. وعندما ننظر إلى حجم بطالة السعوديين "المؤهلين" وننظر أيضاً إلى حجم تواجد الوافدين في مختلف التخصصات وفي مختلف القطاعات الثلاثة الحكومية والخاصة والخيرية فإنني أتساءل عن مبررات عدم معالجة "بطالة" السعوديين، وهي قضية من المضحك جداً أن يتم تناولها أو البحث في كيفية معالجتها وفق ما تُشير إليه الإحصاءات والأرقام.. ومن غير المنطقي مثلاً أن يتم توظيف غير السعوديين في وظائف يستطيع السعوديون أداءها حسب تخصصهم وخبراتهم على الرغم من تميز السعودي على غيره من خلال اليقين التام بما حصل عليه من شهادات خاصة أبناءنا المبتعثين الذين يدرسون على حساب الدولة ويتابع أداءهم قطاعات الدولة ويتلقون تعليمهم في جامعات اعتمدها الوطن وتعرف الجهات المعنية هنا وهناك جودتها.

أعتقد أنّ إعادة فكرة المحورين اللذين طرحتهما قبل اكثر من ثلاثين عاماً لا تزال قابلة للتطبيق، فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل من يحملون شهادات في تخصصات لا يحتاج إليها الوطن إضافة إلى الإغلاق الموقت للتخصصات التي يغص بها الوطن ولابد من قرارات حازمة وعازمة تعالج "كرة الثلج" قبل أن تصل إلى منتهاها، كما أنّ قضية منح التأشيرات في التخصصات التي يدرس بها السعوديون في المملكة أو خارجها ويوجد خريجون في الوطن متخصصون بها يجب أن توقف تماماً دون نقاش لأي مبررات أو تسويف لا يحقق مصلحة وطنية، ولعلّ في تجربة البنوك وشركات الاتصالات وبعض الجهات المتميزة في تطبيق توطين الوظائف وما حققته من إيجابيات وطنية كبيرة أكبر دليل على تميز ونجاح المواطن السعودي عندما تتاح له الفرصة وتصنع له البيئة المناسبة المحفزة وليس المنفرة.. ودمتم.

نقلا عن الرياض