أشرت في مقال الجمعة إلى أن المؤشر العام للبورصة قد هبط في فترة عشرة أسابيع؛ ما بين منتصف مايو إلى بداية أغسطس، بما مجموعه قرابة الألف نقطة؛ أي من نحو 12600 إلى 11651 نقطة.
ورغم أن هناك ما يشير إلى أن المؤشر يقاوم حدوث المزيد من الهبوط إلى مستوى الدعم التالي عند 11450 نقطة، فإن استمرار حالة الضعف التي تمر بها البورصة وعنوانها الرئيسي انخفاض أحجام التداولات إلى أقل من 200 مليون ريال يومياً، لا يضمن نجاح المؤشر في الصمود عند مستوياته الراهنة.
ومن أجل الخروج من دوامة الهبوط، لا بد أن تتغير بعض المعطيات التي تحكم أوضاع البورصة بما يعمل على إشاعة جو من التفاؤل في أوساط المتعاملين، فترتفع التداولات، ويتوقف مسلسل الهبوط، بل ويرتفع من جديد.
المعروف أن البورصة قد واجهت منذ منتصف مايو سلسلة من العوامل السلبية التي ساهمت في حدوث الإنخفاضات بدءاَ من انتهاء موسم توزيعات الأرباح وما يعقبها من تراجع طبيعي في أسعار الأسهم، ثم جاء موسم الإفصاح عن نتائج النصف الأول من العام فأظهر تراجعاً في أرباح عدد كبير من الشركات القيادية مثل صناعات، والخليج الدولية، ومسيعيد، وأوريدو، والتجاري، والتكافلي، مع تعمق خسائر فودافون والطبية وتحول الإجارة إلى الخسارة.
وإضافة إلى ما تقدم عادت مشكلة الديون اليونانية لتضغط على استقرار منطقة اليورو، وعلى فرص انتعاشها مجدداً، كما عادت أسعار النفط إلى الانخفاض من جديد إلى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل بعد مرحلة انتعاش واستقرار نسبي في فترة الربع الثاني حتى نهاية يونيو فوق الستين دولاراً للبرميل.
وصدرت في الولايات المتحدة تأكيدات أمريكية عن قُرب اتخاذ بنك الاحتياط الفيدرالي أولى خطواته باتجاه رفع معدلات الفائدة على الدولار.
كل هذه العوامل قد واجهت المتعاملين في الشهور الثلاثة الماضية، فما كان منهم إلا أنهم آثروا السلامة والذهاب في إجازات داخلية أثناء موسم الصوم والعبادة في رمضان، ثم في إجازات خارجية في فترة اشتدت فيها قسوة المناخ، فانخفضت معدلات التداول اليومية إلى مستويات قياسية، رغم ما قد يظهر على السطح من آثار تدخلات لمزودي السيولة أو بعض المحافظ الاستثمارية.
أقول أن العوامل السلبية التي أشرت إليها أعلاه، والتي لا يزال الكثير منها قائماً تتطلب تغييراً جذرياً في المعطيات بما يُعيد الناس إلى تداولات البورصة من جديد. وقد سألني أحد الصحفيين مؤخرا عما إذا كان الوقت مناسباً لطرح أسهم جديدة في السوق الأولي؟
فقلت له كأنك تسألني عما إذا كان صب الماء على النباتات في جو حار يفيدها أم يضرها؟ قال لا توجد سيولة لدى الناس، قلت وأين ذهبت السيولة؟
لقد عادت إلى البنوك لعدم اقتناع الناس بجدوى التعاملات في هذه الأوقات، ولذلك نجد أن مصرف قطر المركزي مستمر في إصدار أذونات الخزانة الشهرية، إضافة إلى صكوك وسندات من أجل ضبط وامتصاص السيولة الفائضة لدى الجهاز المصرفي.
وإذاً.. نحن بحاجة إلى ما ذكرناه مراراً وتكراراً من ضرورة خلق أجواء إيجابية فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، وقد بادرت الحكومة مشكورة مؤخراً بإصدار قانون جديد للشركات، ونشطت وزارة الاقتصاد والتجارة في اتخاذ التدابير التي تزيل بعض العوائق أمام مبادرات رجال الأعمال، ونشطت إدارة البورصة في البحث عن أسباب عزوف الشركات العائلية الكبيرة عن إدراج اسهمها في البورصة.
ولكن كل هذه الخطوات قد لا يكون لها في تقديري التأثير السريع على أحجام التداولات، ما لم تسارع هيئة قطر للأسواق المالية، ومعها الجهات المعنية في الحكومة والقطاع العام بتغيير معطيات الوضع الراهن في البورصة، وأقصد بذلك العمل على تشجيع الاكتتابات في أسهم شركات أخرى، وبأسعار يجب أن تكون مغرية وجذابة للمستثمرين.
وليس هذا الإقتراح بدعة بل ينسجم مع توجيهات حضرة صاحب السمو الأمير في أكثر من مناسبة.
كما أن تاريخ الإكتتابات في العقد الماضي، وما حدث في اكتتاب مسيعيد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك في أن فترات الاكتتابات كانت تشهد دائماً زيادة في أحجام التداولات وانتعاشاً في مستويات الأسعار والمؤشرات.
إن الرهان في المرحلة الحالية يجب أن يتركز على عوامل القوة الداخلية التي تضمن للبورصة نموا مستقراً باستمرار، وقد أثبتت تداولات السنة الأخيرة أن الرهان على الاستثمارات الأجنبية لا يكفي بمفردة إذا كانت معطيات البورصة الداخلية جامدة وغير متطورة.
فرغم الترفيع الذي حصلت عليه بورصة قطر في العام الماضي من مورجان ستانلي وستاندرد أند بورز، وكذلك رفع حصة الأجانب في ملكية الأسهم القطرية إلى 49%، إلا أن ذلك لم يشفع ولم يمنع من تدهور أحجام التداولات على النحو الذي نراه اليوم.
ويظل في ما كتبت رأي شخصي أراه صواباً وأن كان يحتمل الخطأ، والله جل جلاله أعلم.