تحدثت في مقال سابق عن "مفهوم تعارض المصالح في إدارة الشركات"، في هذا المقال سأُعرج على الوسائل التي يمكن استخدامها للتعامل معها والحد من تأثير حالات تعارض المصالح على مصالح المساهمين وعلى أداء المديرين، وفي مقال لاحق – بعون الله تعالى – سأتعرض لها من منظور نظام الشركات السعودي.
1-التعامل مع المصالح الشخصية في عمليات الشركة وعقودها:
هذه هي الحالة الأولى لتعارض المصالح ةالتي تمت مناقشتها في المقال السابق، ويتم التعامل معها بالآليات التالية:
أ-الآلية الأولى المنع:
باستخدام هذه الآلية يمكن أن نمنع المدير أو عضو مجلس الإدارة من التعاقد أو التعامل التجاري مع الشركة سواء بشكل مباشر بنفسه، أو غير مباشر عن طريق أقاربه.
في الوقت التي تتضح فيه فائدة هذا الإجراء؛ لمنع تعارض المصالح، إلا أن المنع له آثار سلبية. فعلى سبيل المثال قد تتأخر العملية أو العقد لوقت طويل لإيجاد طرف آخر مع وجود حاجة ملحة للشركة في سرعة التعاقد والحصول على السيولة.
كما أن المنع يؤدي إلى خسارة الشركة إلى عميل – عضو المجلس – وهذا ينعكس سلباً على عوائد الشركة وأرباحها.
لذا فإنه يمكن القول بأننا نحتاج إلى وضع العملية أو العقد في ميزان الترجيح؛ فإن كانت احتمالية التلاعب ضعيفة ومصلحة الشركة راجحة، فإننا نسمح بالعملية أو العقد. أما إن كانت احتمالية الاستغلال لموارد الشركة قوية، واحتمالية انتفاع الشركة ضعيفة فإننا نمنع.
ب-الآلية الثانية الإفصاح:
هنا تقوم الشركة وعضو المجلس المتعاقِد معها بالإفصاح عن العملية أو العقد. الإفصاح قد يكون قبل التعاقد أو بعده. الإفصاح قبل التعاقد يكون لأعضاء مجلس الإدارة الذين ليس لهم مصلحة من العقد، بحيث يتم إبلاغهم وإحاطتهم خلال مباحثاتهم في مرحلة التعاقد، وقبل الدخول في العملية التجارية.
هذا الإفصاح يسمح للمجلس بمراقبة حالة التعارض، والتأكد من عدم تأثيرها على مصلحة الشركة، كإصرار العضو صاحب المصلحة على التصويت بالموافقة وحث بقية الأعضاء على ذلك.
في حين أن الإفصاح بعد التعاقد والدخول في العملية التجارية يكون للمساهمين والسوق بصفة عامة. هذا الإفصاح اللاحق، له فائدة في حث أعضاء المجلس على عدم محاباة زميلهم عضو المجلس في التعاقد؛ لأنهم يعلمون أن هذه العمليات والعقود ستتم مراقبتها من المساهمين والمتعاملين في السوق.
ففي حالة عدم رضا المساهمين عن هذه العملية فبإمكانهم استخدام الوسائل النظامية للتعويض عن الضرر.
كما أن المتعاملين في السوق سيقومون بتقييم هذه العقود والعمليات، وعلى ضوءها سيختلف تقييمهم لسعر سهم الشركة، كما أن مثل هذه الأمور تؤثر على سمعة أعضاء المجلس.
ج-الآلية الثالثة المصادقة:
وذلك بقيام إما المجلس أو الجمعية العمومية بإصدار موافقة ومصادقة على العملية قبل الدخول فيها.
مجلس الإدارة هو بلا شك في وضع أفضل من المساهمين في معرفة ما هو من مصلحة الشركة؛ وذلك لقدرته على فهم الفوائد التي ستجنيها الشركة من عقودها وعملياتها. كما أنه في وضع أفضل لتقييم قيمة العقد والعملية وكون قيمتهما مناسبة وعادلة. وهنا يأتي دور الأعضاء المستقلين وغير التنفيذيين حيث لا مصلحة لهم في العقد أو العملية؛ ليقوموا بهذا الدور.
لكن هنا يثور سؤال: هل هؤلاء المستقلون في مكان يجعلهم قادرين على مواجهة الأعضاء أصحاب المصلحة في العقد أو العملية في حال أن التعاقد ليس في مصلحة الشركة؟
الخيار الآخر هو مصادقة الجمعية العمومية مع منع المساهمين أصحاب المصلحة من التصويت. وهنا تبرز أسئلة أخرى: هل المساهمون في وضع يمكنهم من تقييم العملية أو أن تصويتهم بالموافقة سيكون من باب إعطاء الحصانة ومنع دعاوى التعويض؟ وهل الشركة في وضع لتنتظر مصادقة الجمعية التي قد تطول بسبب الإجراءات القانونية لانعقاد الجمعية؟
د-الآلية الرابعة التدقيق القضائي:
هذا الإجراء يشبه إلى حد كبير ما تقوم به المحاكم عند بيع وشراء العقارات للقُصر. بمعنى أن المحكمة عند إرادة المجلس - الذي يعتبر بمثابة الولي للقاصر – الدخول في عملية تجارية أو التعاقد مع أحد أعضاءه التقدم للمحكمة بطلب الموافقة.
المحكمة بلا شك مستقلة ولن تحابي أحداً، لكن هل المحكمة لديها القدرة على تقييم العملية التجارية أو العقد، لأن القاضي في هذه الحالات سيكتب للخبرة والمسألة قد تطول.
2-التعامل مع تعارض المصالح في الفرص الاستثمارية ومنافسة الشركة:
أ-المنع المطلق
يكون بمنع المدير أو عضو مجلس الإدارة من الاستفادة من أي فرصة استثمارية تدخل ضمن نشاط الشركة دون الحصول على الموافقة من الشركة بغض النظر عن قدرة الشركة على الاستفادة من الفرصة الاستثمارية. الفلسفة التي يقوم عليها المنع هو أن مديري الشركة قد يقررون رفض الفرصة، ثم يقومون بالاستفادة منها لحسابهم الشخصي، أو يتمسكون بمسألة عدم قدرة الشركة على الاستفادة من الفرصة، الأمر الذي يُضيع على المساهمين الكثير من الفرص.
لكن هذا التشديد قد لا يكون فيه عدالة لمديري وأعضاء مجلس إدارة الشركة؛ لأنه إذا لم ترغب الشركة أو لم تستطع الشركة من الاستفادة من الفرصة فما المانع أن يستفيد منها المدير أو العضو.
لذا فإن من المهم تحديد مصلحة الشركة من الفرص الاستثمارية؛ حتى يمكن التحقق من وجود حالة تعارض المصالح. وتحديد أي نوع من الفرص الذي يجب على المدير أو عضو مجلس الإدارة عدم استغلاله، وما هو نوع الفرص الاستثمارية التي يجوز له استغلالها.
فعلى سبيل المثال الفرص الاستثمارية التي لا تدخل ضمن نشاط الشركة، لا يمكن القول معها - في حال قام المدير أو عضو مجلس الإدارة باستغلالها - بوجود حالة تعارض مصالح؛ لأنه لا مصلحة للشركة من فرصة استثمارية لا تدخل ضمن نشاطها التجاري.
الجدير بالذكر أن هناك عدد من المعايير يمكن النظر إليها عند تقرير وجود حالة تعارض المصالح، ومنها قدرة الشركة على استغلال الفرصة الاستثمارية، نوع هذه الفرصة، وهل هي من ضمن نشاطات الشركة المنصوص عليها في النظام الأساسي، أو التي تزالولها الشركة فعلياً، أو تخطط لمزاولتها مستقبلاً، ومكان ووقت عرض الفرصة على المدير، وظروف العرض، بمعنى هل كان العارض يعرضها على المدير بصفته الشخصية أو بصفته مديراً للشركة.
مع الأخذ في الاعتبار أن التشديد في تعريف "فرص الشركة" وجعله شاملاً، له سلبيات، وتحديداً على العضو غير تنفيذي أو المستقل، فإنهم قد يمتنعون عن العمل في المجلس بسبب هذا المنع إلا في حال تعويضهم بمكافأة كبيرة؛ كما أن التساهل يؤدي إلى ضياع حقوق المساهمين
ب-المنع المقنن
هنا يسمح للمدير والعضو بالاستفادة من الفرصة التي لا تدخل ضمن نشاط الشركة، أو التي لا تستطيع الشركة الاستفادة منها.
نشاط الشركة هنا يقصد به النشاط الفعلي للشركة لا النشاط المنصوص عليه في عقد الشركة ونظامها. مسألة قدرة الشركة وعدمها مسألة شائكة، ويصعب البت فيها إذا استفاد المدير من الفرصة بدعوى عدم قدرة الشركة على الاستفادة منها دون إبلاغ الشركة بنيته في استغلال الفرصة.
فالشركة يمكن ان تدفع بقدرتها، ومن ثم يصعب على المحكمة تحديد هل كانت الشركة تستطيع أو لا تستطيع؟
أيضاً ماذا لو صوت العضو في مجلس الإدارة على رفض الفرصة للشركة، ثم اتضح فيما بعد قيامه بالاستفادة منها بشكل مباشر أو غير مباشر؟
ماذا لو استقال المدير أو العضو الذي علم بالفرصة الاستثمارية لغرض الاستفادة منها وحرمان الشركة؟ كيف يمكن التعامل مع هذه الحالات؟ هل نمنع عضو مجلس الإدارة من منافسة الشركة، واستغلال فرصها الاستثمارية؟ أو نمنع ذلك إذا كان سبب الاستقالة هو الاستفادة من فرصة مُنِع منها بسبب كونه مديراً؟ ولكن كيف لنا أن نعرف أن سبب الاستقالة هو الفرصة الاستثمارية؟ وهل اكتشف الفرصة وقت عمله في الشركة أو بعد الاستقالة؟
3-التعامل مع المنافع التي يحصل عليها المدير من طرف ثالث:
هذه المنافع يجب منعها، وقد منعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال "هدايا العمال غلول"، كما أن هذه المنافع والهدايا تجعل المدير يحابي ويجامل من يهاديه على حساب المساهمين.