بدأت تجربة الكويت مع التعليم عام 1911 عندما تأسست المدرسة المباركية بمبادرة ودعم مالي من عدد من تجار البلاد آنذاك.
قبل ذلك كان التعليم بدائياً يعتمد على الكتاتيب التي تدرّس الدين والحساب.
لكن الانطلاقة الحقيقية للتعليم كانت في 1936 عندما أسست الحكومة مجلس المعارف وأحضرت مدرسين من فلسطين ومصر والعراق وأرسلت طلبة للإلتحاق بالمراحل الثانوية والجامعية في مصر ولبنان والعراق، وشجعت العديد منهم على امتهان التدريس للمعاونة في تدريس التلاميذ داخل الكويت.
وكانت الأعداد محدودة نظراً إلى محدودية القاعدة السكانية التي ظلت صغيرة حتى 1950، حين لم يزِد عدد الكويتيين عن 50 ألف شخص.
لكن بعدما أصبحت البلاد تتمتع بعائدات الثروة النفطية قررت الإدارة الحكومية إنفاق مزيد من الأموال على التعليم وأنشأت المدارس وجلبت العديد من المدرسين من خارج الكويت وأقامت كلية صناعية ومعاهد للمعلمين والمعلمات وتبع ذلك في 1966 إقامة جامعة الكويت.
وتمكنت الكويت من تحرير المواطنين من آفة الأمية بدرجة عالية، وأصبح التعليم الأساسي إلزامياً بموجب القانون.
وبمرور السنوات تزايدت أعداد الطلبة والطالبات في مختلف المراحل الدراسية وأصبح الأمر مغرياً للقطاع الخاص الذي أقام مدارس متنوعة للمراحل الأساسية من الروضة حتى الثانوية، ومنها مدارس أجنبية وعربية بمستويات جودة مختلفة.
وتأسست جامعات خاصة كثيرة جذبت الآلاف من الطلبة المتخرجين من مراحل الدراسة الثانوية والمتزايدين سنة فسنة.
هناك الآن أعداد تزيد عن نصف مليون طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم في الكويت، وتضم جامعة الكويت حوالى 40 ألفاً منهم.
وتضم الهيئة العامة للتعليم التطبيقي عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات، وهي هيئة وُجِدت لتقدم تعليماً يهدف إلى إيجاد مهنيين في مختلف النشاطات.
ومقابل ذلك ارتفعت بمرور السنوات أعداد المدرسين ونسبة الكويتيين منهم بعدما حفزت السياسات الحكومية كثراً من المواطنين للعمل في سلك التدريس.
لكن على رغم هذه التطورات الكمية يفتقر النظام التعليمي إلى الجودة الملائمة، وتأتي نتائج الاختبارات المتخصصة والمعتمدة دولياً بنتائج غير مناسبة أو مواتية للكويتيين، خصوصاً في مناهج العلوم والرياضيات.
وظلت تقارير أممية تصنف الكويت في هذا المجال في مستويات متدنية بين مختلف بلدان العالم، على رغم الإنفاق المهم على التعليم.
وحلّت الكويت في المرتبة 105 بين الدول في جودة التعليم في حين احتلت قطر المرتبة الثالثة والإمارات المرتبة التاسعة.
وأثار العديد من وزراء التربية والتعليم، الذين شغلوا المنصب على مدى السنوات الماضية، أهمية مراجعة النظام التعليمي وإجراء إصلاحات واسعة في كل المجالات ذات الصلة، مثل تطوير المناهج والارتقاء بالهيئات التدريسية وإصلاح الإدارة التعليمية وتحديث المباني المدرسية وتأمين المعامل والمختبرات اللازمة والمناسبة للتطبيقات التعليمية الحديثة.
وأكدوا ومنهم الوزير الحالي، بدر العيسى، أهمية إصلاح أنظمة التعليم الخاص وتعزيز الجودة وإبعادها عن المعايير والقيم التجارية.
لا شك في أن التعليم الأساسي يمثل المشكلة الأساسية إذ لا يصل إلى المستوى الجامعي العدد المناسب من المؤهلين لاستيعاب مناهج التعليم العالي.
ويضاف إلى ذلك أن الشروط المتساهلة في القبول في جامعة الكويت والجامعات الخاصة لا تتناسب مع مقتضيات بيئة الأعمال، خصوصاً تلك التي تشترط الجدية والكفاءة.
وثمة أعداد من الطلبة الكويتيين الذين يُبتعَثون إلى الخارج للدراسة، وعدد لا بأس به منهم يلتحقون بجامعات مرموقة ومقبولة أكاديمياً، لكن من يلتحق منهم، بعد التخرج، بأعمال حكومية وخاصة، يظل محدوداً نسبياً مقارنة بأولئك المتخرجين في جامعة الكويت أو جامعات أخرى أو معاهد عليا ليست بالجودة ذاتها.
غني عن البيان أن هناك عدداً جيداً من خريجي الهندسة والطب من جامعة الكويت من الذين تميزوا بالكفاءة والاقتدار في مجالات عملهم، لكن يظل هؤلاء استثناء بين أعداد كبيرة من الخريجين.
هناك، أيضاً، عدد كبير من خريجي الجامعات غير المؤهلة إذ التحق هؤلاء بتلك الجامعات من دون رقابة أو إرشاد من السلطات التعليمية في البلاد، ورفضت شهادات العديد منهم، وإن تمكن آخرون من تدبير أمورهم والحصول على الوظائف المناسبة.
وانتشر كثير من هذه الجامعات في العديد من البلدان العربية والآسيوية، وحتى في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، وهي معاهد تهدف إلى تحقيق الربح من دون اعتبار للمستوى التعليمي والأكاديمي ومكنت كثراً من الحصول على درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه.
وتعاني الكويت والدول الخليجية الأخرى ظاهرة خريجي هذه الجامعات والمعاهد المتدنية المستوى.
كيف يمكن للكويت أن تطور أنظمتها التعليمية وتؤسس لبناء كوادر مهنية تتوافق مع متطلبات تحديث البنية الاقتصادية في المستقبل؟
يتعين على الإدارة السياسية أن تعزز التوجهات الإصلاحية التي يتبناها وزير التربية والتعليم الحالي وتمكينه من إصلاح إدارة التعليم وتعديل المناهج ووضع الشروط الملائمة لاختيار أعضاء التدريس في كافة المراحل التعليمية.
وثمة أهمية لتعديل شروط ترخيص المدارس الخاصة وأسس القبول فيها ودفع هذه المدارس لتكون بمستوى المدارس الخاصة غير الهادفة إلى الربح وذات الجودة العالية، كما هي الحال في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة.
أما التعليم العالي فيجب تعديل شروط القبول في مؤسساته بعد تزايد أعداد المتدفقين من المراحل الثانوية ودفع العديد من هؤلاء إلى الإلتحاق بمعاهد التعليم المهني.
هذا التعليم المهني بات ضرورياً لبلد يعتمد على عمال وافدين كثيرين، ويفتقر لوجود العمال المحليين بالأعداد المناسبة في مؤسسات القطاع الخاص نظراً إلى عدم أهليتهم للمهن المتوافرة لدى هذه المؤسسات.
الواقع التعليمي في البلاد جعل البلاد في مستويات متدنية في مقاييس التنافسية، ما يعني أن الكويت لا تزال بعيدة عن تطوير اقتصاديات المعرفة.
وتمكنت بلدان عديدة لا تملك ثروات طبيعية مثل الكويت من بناء قدرات اقتصادية متميزة بسبب اعتمادها على تعزيز التنمية البشرية وفق معايير ومقاييس سليمة ومناسبة، وعلينا أن نحذو حذوها.
نقلا عن الحياة