تختلف آليات التقييم للأسهم والشركات المذكورةُ في كتب المالية، والتي يمكن توزيعها بشكل عام على ثلاث مجموعات: التقييم باستخدام أصول الشركة، أو التقييم باستخدام العوائد والأرباح، أو التقييم باستخدام التدفقات النقدية المتوقعة. ولست هنا بمقام عرض وتحليل ما يندرج تحت كل مجموعة، وما هي مميزات وعيوب كل نوع.
التقييم علم وفن صعب (كما قال الملوينير الأمريكي الشهير وارن بفت)، فهو يعتمد على قدرة المحلل على استخدام المعادلات الرياضية وتطبيقها على الواقع، وكذلك قدرته على الحكم على سلامة القوائم المالية؛ وأخذ الحيطة والحذر من المبالغة في بعض الأرقام، وقدرته على "قراءة ما بين الأرقام" (مصطلح جميل استخدمه الدكتور فهد الحويماني)، وقدرته على الحكم على وضع الشركة، والتنبؤ بمستقبلها، ومستقبل الخدمات أوالسلع التي تقدمها الشركة، ووضع ومستقبل الأسواق التي تتعامل فيها.
عندما ترغب أي شركة في إدراج أسهمها في السوق فإنه لا بد من تقييمها، ثم بيع جزء محدد للمساهمين الجدد بعلاوة إصدار – غالبا ما تُتهم بأنها مُبالغ فيها - أو أن يتم إدخال المساهمين الجدد بحصص إضافية. في طريقة البيع، تذهب المبالغ للمساهمين البائعين، وفي طريقة الإدخال تذهب المبالغ للشركة.
يبقى السؤال: من يملك صلاحية التقييم؟ وصلاحية الموافقة على الإدراج بالقيمة الزائدة عن القيمة الاسمية؟
هيئة السوق المالية لديها صلاحيات واسعة لحماية السوق والمتعاملين فيها، وعليها واجب تطوير الأسواق المالية، ومنها سوق الأسهم. ومن هذا المنطلق، تسعى الهيئة على حث الشركات المؤهلة الناجحة على الإدراج في سوق الأسهم؛ مما يساهم في زيادة عمق السوق.
وتعتمد الهيئة في هذه الإدراجات على طريقة بناء سجل الأوامر، والتي ينتقل فيها عبء التأكد من عدالة التقييم إلى مؤسسات الاستثمار المختلفة. لذا فإن هذه الشركات تحتاج إلى حوافز تدفعها للإدراج في السوق والخضوع لمتطلبات وتشريعات الهيئة.
بعض من يدرجون أسهم شركاتهم في السوق، يرون فيه مكاناً لبيع جزء من شركاتهم بقيمة مبالغ فيها، وهذه القيمة تعوضهم عن ما دفعوه لتأسيس الشركة، وتحقق لهم أرباحاً لم تكن في الحسبان.
كما أنهم بعد عدة سنوات وبعد رفع الحظر المفروض عليهم، قد يقومون ببيع جزء آخر في السوق بأضعاف قيمة الإصدار؛ ليس لأن الشركة نمت وحققت أرباحاً ولها مستقبل، بل ببساطة لأن سوقنا غير كفء، ولا يقيم الأصول المالية بناء على ما تستحقه وبناء على المعلومات. ونظرية أو فرضية كفاءة السوق معروفة في كتب المالية، لكنها غير معروفة في سوقنا.
فالمعروف هو ما كُتب في المنتديات من توصيات مجهولة المصدر، أو توصيات يُصدرها فلان؟ والسؤال الحثيث عن المضاربين أفراداً ومجموعات، وفي أي سهم هم يضاربون الآن، وغيرها من الأمور المضللة. ختاماً، إن ما يهم المستثمرين الأفراد هو قدرتهم على بيع أسهم الاكتتاب، وتحقيق الربح، بغض النظر عن عدالة التقييم!
مبدع أبو عبدالعزيز
الحل موجود وبسيط ومجرب وهو ترك السوق يقرر بنفسه، عرض وطلب، ويجب أن لا يتدخل أحد بتحديد سعر علاوة الإصدار... يبقى الدور على المستثمر نفسه.
كلامك جميل، لكن هل ستكون على نسبة مفتوحة أو محددة؟ وكم سعر الافتتاح (الإدارج) إذا كانت محددة؟ وإذا كانت مفتوحة من يضمن عدم وجود تلاعب من الملاك بإيجاد طلبات وهمية الغرض منها الحصول على سعر بيع عالي؟ الأمر الآخر أن الهيئة وجدت لتحمي المستثمر العادي (فالقانون يجب أن يحمي المغفلين) أما المستثمر المحترف فهذا يستطيع يحمي نفسه. فالأمر من وجهة نظري أكثر تعقيداً، لكن تبقى وجهة نظرك جيدة وتحتاج دراسة تفصيلية للنظر في إمكانية تطبيقها.
أخ عبدالله، هذا هو أساس المشكلة: الاعتقاد بأن الهيئة عليها حماية المستثمر في كل شيء. نعم للحماية من الغش والاحتيال وفبركة القوائم المالية، ولكن طرح شركة للاكتتاب وتقدير سعر الشركة هذا أمر مالي اقتصادي تجاري، يقرره السوق كبيره وصغيره. بهذا المنطق، مفروض الهيئة تتدخل في كل الأوقات.. لماذا لا تعترض على أسعار الأسهم في جميع الأوقات بحجة أن الأسعارمبالغ فيها؟ لماذا لا تقوم الهيئة بذلك، طالما أن مفروض عليها حماية المستثمر؟؟؟؟ أرأيت الخلل؟
هذي وجهات نظر، لكن الهيئة نظاما عليها حماية المستثمرين والمتعاملين من الممارسات غير العادلة، وإدراج شركة بسعر مبالغ فيه هذا من الممارسات غير العادلة، رفع قيمة سهم بالتلاعب بالسوق ممارسات غير عادلة. الترويج لسهم في المنتديات من أشخاص غير مرخصين يتآمرون مع أشخاص آخرين ممارسات غير عادلة، والقائمة طويلة أما قوى العرض والطلب بدون تأثيرات وتضليل وغش واحتيال فهذه طبيعية ولا اعتراض عليها. درجة الحماية التي يتطلبها السوق تتفاوت من سوق لسوق بحسب طبيعة المتعاملين وثقافتهم (وهذه مسلمة في علم التشريعات المالية)، وسوقنا يحتاج إلى أقوى حماية. أمر آخر وهو أسواق متقدمة تقوم بواجب تثقيف وتعليم المتعاملين ونحن لا نقوم بهذا، وهذا لا يعني تدريسهم "التحليل الفني" (مزيد من التضليل) بل تعليمهم كيف يديرون أمورهم المالية عموما من تقاعد ورهن عقاري وبطاقات ائتمانية وقروض شخصية حتى لا يكونوا عرضة للاحتيال. الكلام يا أخي الكريم طويل وذو شجون لكننا متفقين على مسألة واجب الحماية من الغش والاحتيال، وهذه شدتها وليونتها من وجهة نظري تعتمد على مستوى المتعاملين في السوق. أشكرك وأتأسف على الإطالة.
صحيح كلامك، المسألة ليست أبيض أو أسود، ولكن فيها أقوال.