مما لا شك فيه أن محطات وقود التي عرفناها في العشر سنوات الماضية كانت تحولاً مهماً في نموذج تقديم الخدمات العصرية لأصحاب السيارات في دولة قطر، بعد أن كان الأمر يقتصر في المحطات الخاصة القديمة على تقديم الخدمات التقليدية لملء خزانات البنزين بأنواعه المختلفة فقط.
وقد درجت محطات وقود منذ تدشينها على تقديم خدمة مميزة لأصحاب السيارات التي يعرجون عليها لملء خزاناتها بالبنزينن، فلا يقتصر الأمر على الخدمة الأساسية، وإنما يتعداه إلى خدمات أخرى من غسيل وتشحيم وبعض أنواع الصيانة السريعة.. إلى جانب ما يقدمه السوبر ماركت العصري من مأكولات ومشروبات وحاجيات سريعة، أو قد تجد فرصة كي تدفع فاتورة هاتفك أو فاتورة الكهرباء باستخدام أجهزة الدفع الآلي.
وإلى عهد قريب كانت الخدمات تمتد أيضا إلى تقديم خدمات مجانية أخرى كمسح زجاج السيارة الأمامي والخلفي مع النوافذ.
ومن هذا المنطلق كان تقييمنا لإنشاء شركة وقود بأنه خطوة ممتازة تنسجم مع ما تشهده البلاد من تطور سريع ونمو مذهل، سواء من الناحية الاقتصادية أو العمرانية أو في عدد السكان أو في مستويات المعيشة، مع الأهمية القصوى للخدمات التي تقدمها المحطات وهي بيع البنزين بأنواعه للجمهور، وهي سلعه لا يستغني عنها صاحب سيارة في بلد تعج بالسيارات.
وبمرور الوقت بتنا نلاحظ أن الخدمات المجانية بدأت تختفي، لسبب بسيط وهي أن طوابير الإنتظار على المضخات قد طالت بأكثر من اللازم، وأن قرار الوقوف عندها أو عند أي محطة بترول خاصة، لم يعد محتملاً، أو ممكناً ولم يعد أمام أصحاب السيارات إلا برمجة أوقاتهم لإختيار أنسب الأوقات لملء خزاناتها بالبنزين.
وقد توصلت منذ شهور إلى أن الوقت الأمثل هو إما في ساعات ما قبل الظهيرة أو بعدها يوم الجمعة، أو بعد صلاة الفجر من كل يوم، أو بعد العاشرة ليلاً من كل مساء.أما إذا فاتتك هذه الأوقات، فإنك مرشح للوقوف ما يزيد عن نصف ساعة من أجل الحصول على البنزين فقط، أما إذا أردت خدمات صيانه سريعة أخرى فإنك بحاجة إلى إجازة عارضة .
ولكن لماذا حدث هذا الخلل في منظومة الخدمة التي كانت تبدو زاهية وواعدة؟ الجواب في تقديري يعود إلى سببين: الأول: أن مخططات شركة وقود في التوسع الإستراتيجي ببناء المحطات الجديدة لم تراع الزيادة المضطردة والسريعة في عدد السكان، وفي مستويات الدخول والمعيشة،، ومن ثم في عدد السيارات.
فالصورة التي بدأت عندها وقود قبل عشر سنوات كانت جد مختلفة،،، فإجمالي عدد السكان كان يقل عن 750 ألف نسمة، ومستويات الرواتب والأجور كانت منخفضة نسبياً عما هي اليوم، وأسعار الأراضي والإيجارات كانت منخفضة جداَ، وعدد السيارات لا يزال محدوداً.
وفي السنوات الأخيرة وتحديداً بعد عام 2011 تغيرت المعطيات بالكامل بمعدلات نمو كبيرة جداً حيث يمكن القول إن أعداد السيارات بأنواعها قد تضاعفت أكثر من مرة، ولم يواكب ذلك نمو موازِ في عدد محطات وقود.
كما أن أسعار الأراضي في الشوارع الرئيسية قد باتت مرتفعة جداً وتكلف مبالغ كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل عام 2010. ولم تستفد الشركة على ما يبدو من إمكانياتها المادية المتاحة في السنوات الأولى في شراء المزيد من الأراضي والاستعداد للمراحل التالية، وما نعرفه أنها كانت توزع أعلى العوائد المادية على المساهمين بواقع 10 ريالا للسهم، مع تزايد عدد الأسهم سنة بعد أخرى نتيجة منح الأسهم المجانية.
الثاني: أن تقديم الخدمة بات منذ سنوات مقتصرا على وقود وبعض المحطات القديمة التي لم يُسمح لها أو لغيرها من شركات القطاع الخاص بالتوسع في هذا المجال لصالح توسع وقود.
وهكذا باتت خدمة توفير البنزين للسيارات تحت أكثر من عنصر ضغط في آن واحد: سيارات تتزايد بسرعة بتأثير تزايد عدد السكان والنمو، وارتفاع مستوى المعيشة، وتقاعس من وقود في بناء المزيد من المحطات نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي، وعدم قدرة شركات القطاع الخاص الأخرى على المنافسة في تقديم الخدمة، لاعتبارات تنظيمية. ومن ثم فإن الأمر يحتاج إلى معالجة لفتح مخارج لحل الأزمة من عدة مداخل:
الأول: لماذا تستمر وقود في احتكار تقديم الخدمة في بلد يسعى دائماً إلى تشجيع القطاع الخاص على المشاركة بجدية في برامج التنمية الاقتصادية. والمنطق بات يقتضي ترك القطاع الخاص يمارس نشاطه المعهود بدون قيود.
الثاني: أن التخطيط العمراني يجب أن يعالج نقص الأراضي المطلوبة لإنشاء محطات بنزين في الشوارع الرئيسية، ولو بمساحات محدودة على النمط القديم.
الثالث: أن الحرية في امتلاك أكثر من سيارة واحدة يجب أن يقترن بضوابط معينة كمستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة.
ملاحظة: لا بد من الإشارة إلى أن وقود أقرت في ديسمبر الماضي خطة توسع جديدة
في السعودية محطات البنزين في كل مكان حتى داخل الأحياء!!