أصدر مجلس معايير المحاسبة الدولي في تموز (يوليو) 2014، الصيغة النهائية للمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية رقم 9، والمتعلّق بالأدوات المالية والمخصصات المالية. وسيحلّ هذا المعيار محلّ معيار المحاسبة الدولي رقم 39 المتعلق بالأدوات المالية: الإثبات والقياس. ويقدّم المعيار متطلبات جديدة للتصنيف والقياس والاضمحلال ومحاسبة التحوّط.
والمعيار الدولي الجديد سيكون إلزامياً عام 2018، مع السماح بالتطبيق المبكر. كما يجب تطبيقه بأثر رجعي، ولكن معلومات المقارنة غير إلزامية.
ويمكن القول في شكل عام، إن هذا المعيار جاء استجابة لدروس الأزمة المالية العالمية، حيث اتضح أن أحد أسباب امتداد أمد الأزمة هو التأخر في الاعتراف بخسائر الديون، إذ كان يتم الاعتراف بالخسائر حين التحقّق منها. أما المعيار الجديد، فإنه يتطلب احتساب مخصصات للديون بناء على التوقعات بحدوث تعثّر أو عدم الدفع من جانب المقترض.
ومن المعروف سابقاً، أن المصارف العالمية كانت تحتسب نوعين من المخصصات، الأول محدد موجه لمقابلة حسابات متعثرة بعينها، ويتفاوت حجم المخصصات بناء على حجم تعثّر الحساب. والنوع الثاني، هو المخصصات العامة التي تغطي كل الاحتمالات لمجموعة محفظة التمويل.
وصحيح أن المصارف المركزية باتت تتشدّد أكثر في بناء المخصصات العامة كاحتياط للعوامل غير المرئية، ما يعني أنها باتت تقترب من تطبيق المعيار الجديد 9 ولكن في شكل غير مباشر. لكن المعيار الجديد هو أكثر تحديداً ووضوحاً في هذا المجال.
ما أدّى فعلياً إلى تفاقم الأزمة المالية عند وقوعها، هو أن المصارف لم تكن تمتلك في ذلك الوقت مخصصات في مقابل التمويلات التي تعثرت لاحقاً، حيث كانت تعتبر التمويلات كلها جيدة.
من هنا، نشأ التفكير في ضرورة تحديد مخصصات حتى على الديون الجيدة، نظراً الى أن أي تمويل من الممكن أن يتعثر. فحتى في حال كان التمويل جيداً، من الضروري أن يحتسب احتمال التخلّف عن التسديد أو ما يُسمى «Probability of Default» حتى لو كان 0.5 أو 1 في المئة.
وبطبيعة الحال، يدخل تطبيق هذا المعيار تغييراً كبيراً بالنسبة الى المصارف خصوصاً، ما يضطرها إلى إحداث تعديلات جوهرية على أنظمتها، كما ستبدأ بأخذ تاريخ تعثّر التمويل سابقاً في الاعتبار، بما يمكنها من بناء فرضيات لاحتساب احتمال التخلّف في المستقبل، وفق التوقعات والمتغيرات الاقتصادية والتحوط.
وعلى سبيل المثال، تقوم شركات التأمين بوضع حساب مخصّص لبوالص التأمين، وهذا الأمر مشابه تقريباً، علماً أنها ستتعامل مع هذا المخصص بناءً على التغيرات التي تطرأ على الوضع الاقتصادي أيضاً. مثلاً، في حال انخفاض النمو الاقتصادي، أو حدوث ركود أو كساد اقتصادي، فستضطر إلى زيادة نسبة احتمال عدم التسديد (Probability of Default).
فإذا كانت خصّصت 1 في المئة مثلاً، ستضطر إلى زيادتها إلى 5 في المئة، ما يساهم في التخفيف من وطأة وقوع صدمة مالية. لكن في الوقت ذاته، ستؤثر هذه التغيرات في حجم الأرباح المحتسبة، إضافة الى كيفية احتساب المخصصات، فهل تدخل مباشرة في حساب الدخل، أو حساب رأس المال والموازنة، اعتماداً على كيفية التعامل المحاسبي مع الأصول المنخفضة القيمة لا سيما الاستثمارات؟
ووفقاً لاستطلاع أعدته شركة «ديلويت»، فإن لدى المصارف في العالم ثلاث سنوات لتطبيق «المعيار الدولي الجديد 9». وشمل الاستطلاع 54 مصرفاً من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والمحيط الهادئ الآسيوي والأميركيتين. وخلُص الاستطلاع إلى أن 56 في المئة من المصارف التي شملها الاستطلاع، لا تستبعد تأثّر تسعير الخدمات المصرفية بالتغير المحاسبي. فيما توقعت 70 في المئة منها أنّ الخسائر المرتقبة بموجب المعيار رقم 9 ستتجاوز بمبالغها الخسائر المتوقعة بموجب متطلبات المعايير التنظيمية.
واتفقت أراء معظم المستطلعين على أن المعيار الجديد يشكل تحدياً كبيراً خصوصاً مع صدوره بصيغته النهائية، حيث أن تطبيقه يتطلب التنسيق بين الإدارات المتعلّقة بالشؤون المالية والإقراض والمعلوماتية وأقسام أخرى، إضافة إلى المعوقات المرتبطة بتوافر الإمكانات والقدرات التي تؤثّر في فريق ما. كما لا بد من تطوير أجهزة التنبؤ بالأوضاع المالية والاقتصادية وأداء النشاطات الاقتصادية والتحديات الداخلية والخارجية.
ومن التحديات الأخرى الإضافية في تطبيق المعيار رقم 9، هي عدم وضوح الأطر التنظيمية والقانونية والضرائبية بحيث يصعب تحديد الإطار الكامل للمشروع. أمّا بالنسبة إلى الشؤون الداخلية المرتبطة بالتطبيق، فتبرز مسألة تطوير أنظمة المعلوماتية والمطابقات التي تمثل عناصر تحديات جدية لدى المصارف.
من هنا وإن كنا واثقين كما أكدنا مراراً بأن المصارف العربية في أوضاع مالية جيدة وتحتفظ بمحافظ تمويلية واستثمارية صحية في شكل عام، بخاصة أنها حرصت على بناء مخصصات قوية خلال المرحلة السابقة، كما أنها قادرة على التعامل مع متطلبات المعيار الدولي الجديد 9، إلا أن ذلك كله لا يعفي من المطالبة بأهمية قيام المصارف العربية منذ الآن بالاستعداد لتوفير هذه المتطلبات والوفاء بها، لأن المعيار الجديد سيحقق مصلحة أكبر لها وللزبائن من جهة، ولكون ذلك سيبقيها مواكِبة لأحدث التشريعات والمتطلبات العالمية من جهة أخرى، ما يعزز مكانتها وسمعتها العربية والدولية.
نقلا عن الحياة