صدر في الثاني من إبريل الجاري تقريراً مهماً عن صندوق النقد الدولي، سجل فيه خلاصة مشاوراته ومداولاته مع المسؤولين القطريين عن كل ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي لدولة قطر والتوقعات لعام 2015 والأعوام التالية.
وكانت بعثة الصندوق قد زارت قطر أكثر من مرة خلال الربع الأول من هذا العام، وقامت بمهمتها السنوية المعتادة وفق ما قررته المادة الرابعة من قانون الصندوق، التي تقضي بمراجعات دورية لاقتصادات الدول المختلفة.
وقد وقع التقرير في أكثر من 42 صفحة واشتمل على جداول ورسومات بيانية، ومعلومات تفصيلية، مستمدة من المسؤولين القطريين في وزارتي المالية والتخطيط، ومصرف قطر المركزي وغيرها، وتقديرات موظفي البعثة.
وجاء التقرير هذا العام غنياً بالمعلومات والتحليلات وخاصة على ضوء ما أحدثته هزة تدهور أسعار النفط من تغيرات في المشهد الاقتصادي والمالي لدولة قطر.
ومن الصعب إيجاز كل ما ورد في التقرير في مقال واحد، وخاصة أنه مكتوب بلغة اقتصادية متخصصة، ولكني سأجتهد في عرض ما يهم القارئ من معلومات وبيانات:
1-في مقدمة التقرير لخص الصندوق وضع قطر بأنها تنفذ استراتيجية طموحة لتنويع مصادر الدخل، وتحافظ على مكانه بارزة في سوق الغاز الطبيعي المسال في العالم لكونها المصدر لثلث تجارة العالم من هذه المادة.
وقطر مستثمر مهم في أسواق العالم، ومستورد للعمالة، ومتبرع جيد وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتنفذ برنامجاً لتطوير البُنية التحتية بتكلفة 200 مليار دولار.
وتتفوق قطر في مؤشرات الحوكمة والمؤشرات الاجتماعية على دول مجلس التعاون.
وسجل الصندوق ملاحظة مهمة بأن قطر تقوم بتغيير إطار السياسة المالية، والتشريعات المالية، وسياسات الاقتصاد الكلي الاحترازية، وفي تطوير سوق الدين العام بما يتفق مع نصائح صندوق النقد الدولي.
وتوقع الصندوق أن تستقر أسعار النفط حول المستويات الراهنة وأن يطرأ عليها ارتفاع محدود إلى 72 دولار لبرميل نفط برنت حتى العام 2020.
2- قدر التقرير الناتج المحلي الإجمالي- بالأسعار الجارية الإسمية - في عام 2014 بنحو 764,4 مليار ريال، وتوقع أن ينخفض في عام 2015 بنسبة 9% إلى 696,3 مليار ريال –نتيجة انخفاض أسعار النفط والغاز- ثم يعاود ارتفاعه إلى 717,3 مليار ريال و 795 مليار ريال في العامين التاليين على التوالي.
3- اقتصر تأثير انخفاض أسعار النفط على حدوث تصحيح في سوق المال، وعلى تراجع الناتج المحلي بالأسعار الجارية.
وفي المقابل ظل معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي-أي باستبعاد التغيرات السعرية- عند مستوى 6% في السنوات الثلاث الماضية، نتيجة توسع القطاعات غير النفطية والغازية، بما يزيد عن 10% سنوياً.
وقد تحقق النمو نتيجة استثمارات عامة ضخمة لتنويع الاقتصاد، ولتجهيز المنشآت لفعاليات كأس العالم 2022. وسيرتفع النمو الحقيقي للاقتصاد في عام 2015 إلى 7,1% ، وينخفض بعد ذلك تدريجياً حتى يصل إلى 3,9% في عام 2020.
ورغم المستوى المرتفع لمعدل النمو الحقيقي مقارنة بما يشهده العالم من ركود أو تباطؤ في النمو، فإن مقياس معدل النمو للفرد الواحد يُعطي صورة مغايرة حيث كان المعدل سالب 2,9% في عام 2014، ثم يُتوقع له أن يتحسن إلى سالب 0,8% في عام 2015، وأن يتحول إلى موجب 1,1% في عام 2017، ويصل إلى 3,9% في عام 2020.
ومضمون ذلك أن الزيادة السكانية السريعة كانت تؤثر سلباً على معدل النمو الحقيقي.
4- في حين أن إيرادات الحكومة في السنة المالية التي انتهت في مارس 2015 قد بلغت 317,1 مليار ريال، منها 149,2 مليار ريال من النفط والغاز، و 111,9 مليار ريال من دخل الاستثمارات، والباقي من الضرائب واخرى، فإن النفقات قد بلغت 244,8 مليار ريال، وشكل ذلك فائضاً مقداره 147,7 مليار ريال.
وبعد طرح مخصصات استملاك أصول غير مالية فإن الفائض المتبقي يتقلص إلى 72,3 مليار ريال.
ولأن هذا الفائض كان أكبر من المتوقع في ظل تراجع أسعار النفط منذ أغسطس الماضي، فقد عزا الصندوق ذلك إلى تغييرات إطار السياسة المالية المشار إليه أعلاه، والتي نتج عنها تحويل أرباح قطر من صناعة النفط والغاز بالكامل إلى حساب الدولة، وضبط المصاريف الإدارية بخلاف الرواتب، مع تباطؤ نمو النفقات الرأسمالية، قد أديت معاً إلى زيادة الفائض.
وتوقع الصندوق أن تبلغ الإيرادات في التسعة شهور المتبقية من عام 2015( أي أبريل-ديسمبر) نحو 189 مليار ريال، وأن النفقات ستبلغ 187,4 مليار ريال.
5- ارتفع الدين الحكومي الإجمالي في عام 13/2014 إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي، مع كون السندات والأذونات الحكومية يتم إصدارها لتنمية الأسواق المالية، ولغرض إدارة السيولة.
وترتفع نسبة الدين العام إلى 50% من الناتج إذا ما أضيفت لها ديون مشروعات القطاع العام.
وقد بلغ إجمالي الدين الخارجي على قطر بما في ذلك مطلوبات البنوك، نحو 166,9 مليار ريال، منها 23,1 مليار ريال تتعلق بمشروعات الغاز، وبذلك بلغت نسبة ديون قطر إلى الناتج نحو 80,4%.
وقدر الصندوق استثمارات قطر السيادية بنحو 250 مليار دولار.
6- أدت الزيادة السريعة في السكان في عام 2014 مع تراخي نمو المعروض من المساكن إلى رفع معدل التضخم إلى 3,7% في صيف العام، ثم انخفض الرقم إلى 2,7% في ديسمبر الماضي بدعم من انخفاض أسعار الغذاء العالمية وارتفاع سعر صرف الدولار.
ونوه التقرير إلى أن أسعار العقارات قد ارتفعت في عام 2014 بنسبة 35% نتيجة زيادة السكان ومشتريات الحكومة، وإلى وجود نشاط مضاربة، إلا أن الأسعار قد بلغت ذروتها.
في الجزء التالي نعرض لما ورد في التقرير عن الجهاز المالي والمصرفي وسعر الصرف والسياسة النقدية، والمخاطر التي قد يتعرض لها الاقتصاد.