ميزانية وفق خطط رؤية 2030

14/12/2021 0
د.صالح السلطان

شهد صدور ميزانية السعودية 2022، كما هو متوقع، أرقاما متنوعة ومختلفة في القطاعات المالية، وعكست ما خطط له من برامج رؤية المملكة 2030، فحقيقة متوقع تحقيق إيرادات نحو 1050 مليار ريال العام المقبل. بزيادة نحو 12.5 في المائة عن العام الحالي. وأهم عوامل في الزيادة تطورات الأداء المالي، وتحسن أوضاع الاقتصاد العالمي، والإصلاحات المالية والاقتصادية والصحية محليا، وما جرته من تحسن في الاقتصاد الوطني وتعافيه من الجائحة، بحمد الله.

وكما هو متوقع أن تبلغ إيرادات الضرائب في العام الحالي 2021 نحو ثلث الإيرادات، أي نحو 300 مليار ريال. ومتوقع أن تنخفض بضعة عشر مليار ريال في العام المقبل. في المقابل، متوقع أن تزيد الإيرادات الأخرى، ومنها الأرباح من الاستثمارات العامة.

وأيضا متوقع نفقات نحو 950 مليار ريال، بانخفاض بسيط نحو 50 مليار ريال عن العام الحالي. ومن أهم أسباب الانخفاض تحسن كفاءة الإنفاق، وإنجاز مشاريع عامة. ويذهب من النفقات نحو 860 مليارا تشغيلية. وهي أقل قليلا من النفقات التشغيلية هذا العام. لكن نفقات تعويضات العاملين متوقع ألا تنخفض.

إن ميزانية العام المقبل هي سادس ميزانية تعد وفق الرؤية وبرنامجي التحول وتحقيق التوازن المالي، ودليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014. وهو نظام استفاد من خبرات دول متطورة. كما أن هدف الميزانية الأول تعزيز كفاءة الإنفاق والتوطين في التوظيف وفي المحتوى المحلي تحقيق تنمية بشرية واقتصادية قوية راسخة مستمرة. ويبنى على هذا الهدف الاهتمام القوي بتنمية التعليم والموارد البشرية والصناعة، والبنى التحتية، والطاقة المتجددة، والإنفاق الرأسمالي، وتنويع مصادر الإيرادات، ودعم الصناديق التنموية، ودعم القطاع الخاص وخاصة أنشطته ذات المردود الأعلى على الاقتصاد والأفراد.

وحقيقة روعيت في هذه الميزانية مرحلة ما بعد جائحة كورونا. إنها تأتي في ظل تحديات كورونا وتحديات أخرى اقتصادية دولية. والجهود قائمة بقوة لتقليل تأثر الاقتصاد السعودي بتلك التحديات. ونشهد - بحمد الله - عودة تدريجية للنشاط الاقتصادي لمستويات ما قبل الجائحة. وأسهمت في العودة السياسات المتوازنة والدعم دون إهمال لمسألة الاستدامة المالية وضبط الإنفاق ودعم أنشطة القطاع الخاص.

وهناك سيطرة على العجز في المالية العامة. العجز في انخفاض. وبلغ في ميزانية العام الحالي 2021، نحو 2.5 في المائة من الناتج المحلي، نزولا من نحو 13 في المائة عام 2016. ومتوقع تحقيق فائض في ميزانية العام المقبل. وأوضحت بيانات الميزانية أنه سيتم توجيه الفوائض لتعزيز الاحتياطيات الحكومية ودعم الصناديق الحكومية. كما ستساعد على التسريع في إنجاز برامج ومشاريع تنموية.

ويبلغ رصيد الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي السعودي نحو 350 مليار ريال. ونما الناتج المحلي الحقيقي سواء الكلي أو غير النفطي نحو 3 في المائة في العام الحالي 2021. ومتوقع مضاعفة هذا النمو العام المقبل، سواء في القطاع النفطي أو غير النفطي.

وتطرق بيان الميزانية إلى إجراءات وبرامج كثيرة، منها: برنامج تحقيق التوازن المالي، وبرنامج الاستدامة المالية دون مساس بالنمو الاقتصادي، وبرامج إصلاح وتطوير أداء الحكومة، وبرامج خصخصة وتمكين اقتصادي للقطاع الخاص ولتطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وبرنامج تطوير للقطاع المالي. كما تم إطلاق مبادرة التخطيط المالي متوسط المدى. وتم استحداث عديد من التقارير الخاصة بالميزانية.

كما تطرق البيان إلى عمل صندوق الاستثمارات العامة في تنفيذ برامج ومشاريع تسهم في دعم وتطوير قطاعات، كالقطاع العقاري. وتم إنشاء هيئة كفاءة الإنفاق والمشاريع الحكومية في شباط (فبراير) من العام الحالي. وأسهمت هذه الهيئة في تحقيق توفير زاد على 400 مليار ريال بحسب بيانات الميزانية.

حقيقة هنالك عوامل وتوضيحات وأهداف منها:

اهتم بيان الميزانية بتوضيح العوامل المؤثرة في تقديرات الميزانية بجوانبها، الإيرادات والنفقات والعجز. أهم هذه العوامل أداء سوق النفط وتطورات الاقتصاد العالمي وتطبيق برامج التصحيح الاقتصادي. ومن المهم أن يعرف أن لكل سياسة وفي كل اقتصاد آثارا مرغوبا فيها وآثارا غير مرغوب فيها. ومن ثم فالنظر إلى الحصيلة الصافية.

تطرق البيان إلى عمليات الترشيد ومحاربة الفساد التي أسهمت بذاتها في زيادة إيرادات الدولة غير النفطية. وزادت من قناعة الناس في تفهمهم الحاجة إلى تنمية الإيرادات غير النفطية وتخفيف الإدمان النفطي.

في إطار الدفع نحو تحسين نمو الاقتصاد، أوضح بيان وزارة المالية أنه يجري الاستمرار في استهداف تنويع الاقتصاد والصناعة والمنتج الوطني، وتمكين القطاع الخاص وتقوية استدامة المالية العامة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وبشأن منهجية إعداد الميزانية، فإنه من المهم الإشارة إلى أن ميزانية 2022 أعدت وفق المنهجية الجديدة التي تم البدء بتطبيقها قبل خمسة أعوام. مزيد توضيح لاحقا. كما تضمنت معالجة محاسبية جديدة بتسجيل الإيرادات المباشرة كافة التي كانت تحصلها جهات حكومية معينة. كما تم تضمين مبالغ النفقات المقابلة لها. ومن الأمثلة وزارة الإسكان في موضوع رسوم الأراضي. ومن الأمثلة أيضا الجامعات وأمانات المناطق. والهدف زيادة قوة الإفصاح المالي. وأشير إلى أنه تم إنشاء مركز تحقيق كفاءة الإنفاق قبل أكثر من عامين. ومن أعماله تحليل ميزانيات الجهات الحكومية ونفقاتها.

في إطار الإصلاحات السابقة، جرى إعداد الميزانية وفقا لإحصاءات مالية الحكومية Government Finance Statistics (GFS) 2001 و2014 المعروفين اختصارا لدى أهل الاختصاص بـ GFSM 2001 وGFSM 2014 . وميزانية 2022 هي سادس ميزانية تعد وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014، وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل نحو 20 عاما مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة.

وعن الميزانية ودليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM كانت ميزانية الدولة تصنف وتعتمد مخصصاتها وفق تصنيفين:

الأول، إداري، أي أجهزة حكومية وفروعها وأقسامها.

الآخر، اقتصادي، الذي اشتهر بأبوابه الأربعة: الأول للرواتب، والثاني تحويلات وتعويضات غير الرواتب، والثالث للتشغيل والصيانة، والرابع للمشاريع. هذا التصنيف قاصر، به من العيوب ما به. وقد توقف العمل به مع ميزانية 2015، حسب بيان وزارة المالية. وجرى تطبيق دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001 ونسخته المحدثة 2014 بدلا من القديم الذي عشنا معه عقودا من الزمن.

ما قصة دليلي 2001 و2014؟

وقامت إدارة الإحصاء في صندوق النقد الدولي عام 2001 بإطلاق نظام إحصائي تحت اسم "دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001" The Government Finance Statistics Manual 2001 (GFSM)، وفي الحقيقة نتج هذا الدليل من جهود بذلها عدد كبير من المتخصصين في دول ومنظمات وأقسام أكاديمية مختلفة.

جرى تحديث وتطوير دليل 2001 بما يعرف بدليل إحصاءات مالية الحكومة 2014، لمواكبة أبعاد سلسلة من التطورات والمشكلات في المالية العامة ومعايير المحاسبة الحكومية ونظام الحسابات الوطنية (2008 SNA) خلال الأعوام التالية لعام 2001.

دليل 2001 عبارة عن إطار معالجة إحصائية statistical reporting framework، لإعطاء أساس متين للتحليل المالي الحكومي fiscal analysis. وهذا الدليل يعد تحديثا واسع النطاق للدليل السابق الصادر من الصندوق عام 1986. التسجيل والتحليل في دليل 1986 مبنى على نظام التدفق النقدي المحاسبي.

الطريقة السابقة تبين أنها غير فعالة في إعطاء معلومات على رسوخ واستمرارية السياسات المالية على المدى البعيد. على سبيل المثال، تتجاهل جزءا كبيرا من أعباء مستقبلية على الحكومة. كما أنها تتجاهل كل الصفقات العينية، بما يتسبب في إعطاء أرقام مضللة لقيمة الأنشطة الاقتصادية للحكومة.

هذه التطورات أدت إلى تطوير دليل 2001. ويطمح الصندوق إلى أن يكون هذا الدليل بمنزلة مرجع موحد لكل الأعضاء، ما يسهل على الصندوق الحصول على بيانات إحصائية متوافقة، تساعده عند إجراء دراسات أو مناقشات، وخاصة مناقشات المادة الرابعة.

ويساعد دليل 2001 والنسخة المحدثة منه 2014 الدول على زيادة قدراتها في تقييم سياسات المالية العامة، ومراقبة تطوراتها، كما أنه يعزز قياس الادخار والاستثمار والاستهلاك الحكومي بطريقة تفوق ما جاء في دليل 1986، ما يساعد على صياغة سياسات الاقتصاد الكلي بصورة أفضل. يحتوي إطار دليل 2001 التحليلي على جداول تماثل القوائم المالية للشركات.

وبشأن التصنيفات التي تم تبنيها في ميزانيات 2016 فصاعدا:

هناك ثلاثة تصنيفات في التصنيف الجديد للميزانية: الأول، إداري مشابه للقديم.

الثاني، اقتصادي يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة:

ـ مصروفات موزعة على ثمانية أبواب: 1- تعويضات العاملين. 2-السلع والخدمات. 3- استهلاك رأس المال الثابت. 4- نفقات التمويل. 5- الإعانات. 6- المنح. 7- المنافع الاجتماعية. 8- مصروفات أخرى.

ـ معاملات على الأصول غير المالية

ـ المعاملات على الأصول المالية والخصوم.

الثالث، تصنيف وظيفي، ويصنف الوظائف والأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأجهزة الحكومية إلى تحقيقها من خلال الإنفاق العام. ويتكون التصنيف الوظيفي من عشرة تصنيفات أساسية: خدمات عامة ودفاع ونظام عام وشؤون اقتصادية وحماية البيئة والإسكان ومعه المرافق والصحة والترفيه والتعليم والحماية الاجتماعية. ويستند هذا التصنيف إلى المستفيد من الإنفاق وليس النفقة نفسها. مثلا تأمين سيارة لنقل الموظف أصبحت تصنف ضمن تعويضات العاملين، بينما كانت في السابق لا تصنف تحت الباب الأول.

 

 

نقلا عن الاقتصادية