بريال ذهب

02/01/2022 2
عادل عبدالكريم

تعود أصول إستخدام الذهب كمخزن للقيمة ووسيلة تبادل الى بدايات إكتشاف المعدن النفيس، حيث تشير بعض المصادر بأن الذهب قد اكتشفه الإنسان في العصر الحجري الحديث الذي بدأ في السنة 10,200 قبل الميلاد، وقد استخدم الذهب عند العديد من الحضارات الإنسانية مثل الحضارة السومرية "جنوب العرق" والحضارة الفرعونية اضافة الى الحضارة الإغريقية "اليونان" والحضارة الصينية القديمة، ولم يزل الإنسان يستخدم هذا المعدن حتى تاريخ حضارتنا البشرية الحديثة.

وكان للذهب ايضا نصيب في ما ورد عن أخبار الأديان فنجد بأن كلمة "الذهب" وردت في القرأن الكريم ثمانية مرات منها ما ورد في سورة الزخرف الأية 71 " يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ". ووردت ايضا في التوراة "الكتاب المقدس اليهودي" في عدة مواضع منها ما ذٌكر في سفر الملوك الثالث وبما نصه : " وبنى الملك سليمان سفنًا... وأخذوا من هناك أربعمائة وعشرين قنطارًا من الذهب، وأتوا بها إلى الملك سليمان."

وفي عصرنا الحالي ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي فإن الكمية الإجمالية للذهب المستخرجة في العالم تبلغ حوالي 190 ألف طن، أمّا الاحتياطي العالمي تحت سطح الأرض فيصل إلى 54 ألف طن، أي أن اجمالي الذهب في العالم يعادل ما وزنه 244 ألف طن فقط، وبحساب سعر إقفال تداول يوم 31-12-2021م كانت أونصة الذهب "31.1 جرام" تساوي : 1,830.00 دولار ولتقريب السعر بالريال السعودي نقوم بقسمة سعر الأونصة على 31.1 جرام ومن ثم ضربها في سعر تحويل الدولار الى الريال والذي يشكل ما قيمته 3.75 هللة مقابل كل دولار امريكي:

1,830.00 ÷ 31.1 = 58.85$ دولار أمريكي لجرام واحد من الذهب

ومن ثم

58.85$ * 3.75 = 220.68 ريال سعودي لجرام واحد من الذهب.

أي ان ما وزنه 244 ألف طن يساوي ما قيمته 53,845,920,000.00 مليار ريال سعودي فقط " ثلاث وخمسون مليار وثمانمئة وخمس وأربعون مليون وتسعمئة وعشرون ألف ريال سعودي".

وحقيقة يلاحظ المتأمل بأن الله عزوجل ما جعل الذهب بهذه الندرة إلا لسبب إلهي يختص بمشيئته في الحفاظ على أسباب أرزاق العباد، حيث لم تعرف البشرية طوال تاريخه مهزلة مشابهة لمهزلة ديون العصر الحالي، حيث أن الديون العالمية في عام 2020 وفق بيانات صندوق النقد الدولي ناهزت ما يقارب 226 تريليون دولار في أكبر طفرة خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد انتهاء العمل بغطاء الذهب وفق اتفاقية بريتون وودز 1944م والتي بموجبها تم استبدال النظام المالي العالمي الذي يستعمل فيه الذهب كقاعدة لتحديد قيمة العملة الورقية، والتي كانت الدول تُقَيَّمُ عملتها من خلاله وذلك بتحويل أي عملة لديها إلى ذهب بعدما يوافق على اعتماد أسعار ثابتة لبيع وشراء الذهب... تشكلت أحلاف ونظم ومدارس إقتصادية جديدة ساهمت في التوسع بالديون وذلك بطبع "بنكنوت" لا يعتمد على غطاء الذهب في إصداره مما ساهم بما لايدع مجالا للشك في أزمات الديون الحالية والازمات الاقتصادية السابقة والمستقبلية، حيث لا يمكن أن يعقل ذو بنان ان وسيلة تبادل المنافع وهي هذه الورقات المتداولة او الارقام المحفوظة في الحسابات المصرفية تقوم مقام الأساس الذي يتيح توازن العرض والطلب وكبح جماح التضخم مثل الذهب...

ولعل من أبرز ما يدعو للتأمل هي العملية الحالية لتسعير البنكنوت مقابل جرام الذهب، حيث وبالعودة الى الاساس الألهي والوضعي ان جاز التعبير هوا تسعير البنكنوت بالذهب وليس العكس وفق ما يجري حاليا، أي ان المفترض ان لا يكون للذهب سعر بل يجب ان يكون لكل سعر مقدار من الذهب.. حيث ان النقود الورقية تحتاج إلى التقويم، بخلاف الذهب، إلى جانب أن النقود الورقية تنتج عنها مشكلة التضخم، وهي الظاهرة التي تسبب ضغوطات اقتصادية عديدة...

ولعل مشقة البحث في الفقه الإسلامي حيال ما ورد عن الذهب أقل بكثير عن ما ورد حيال هذا البنكنوت المسمى ورق او فلوس، حيث لم يشهد التاريخ الإسلامي نوازل اقتصادية كما شهدها العصر الحديث من محاولات البحث والاستقصاء عن الأحكام الفقهية للمعاملات المالية المعاصرة والتي تشعبت واختلفت واصبح من المستحيل تكييفها فقهيا بسبب انتهاء العمل بغطاء الذهب والافراط في طبع البنكنوت حول العالم.

 

وتشير بعض المدارس الفقهية الى إن الانتفاع يكون بالأعيان لا بالأثمان... ووظائف النقود الذهبية والفضية، أنها أثمان (وسيلة للتوصل إلى السلع والتبادل)، كما أنها قيمة لكل متمول (مقياس للقيمة)، ويمكن تخزينها وادخارها (مخزن للقيمة) وان الذهب والفضة هما أصل المال ويقول ابن الأثير (ت: 606هـ): “المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك”.

وختاما وبصور أيسر عن ما أورده الفقهاء وأهل الإقتصاد يشير المعنى اللغوي للذهب بالعودة إلى الوظيفة الأساسية للنقود؛ وهي التداول وسرعة الحركة والإنفاق وعدم الركود، "فالذهب من ذهابه وسرعة تداوله وحركته"، "والفضة من أنفضّ الشيء أي تفرق"، وسميت فضة لأنها تتفرق بالإنفاق وسرعة حركتها وعدم الركود وهي صفة النقود...

المراجع:

1- مجلس الذهب العالمي.

2- الدين العالمي يسجل مستوى قياسيا قدره 226 تريليون دولار، فيتور غاسبار "صندوق النقد الدولي" 16-12-2021م.

3- دور الذهب والفضة.. كأثمان للأشياء وأصل المال في الفقه الإسلامي، مجدي مدني "إسلام أون لاين" .

4- كيف ينظر الاقتصاد الإسلامي إلى الفارق بين النقود الورقية وعملات الذهب والفضة وهل تختلف أحكام الربا؟ "سي ان ان عربي" 12-08-2014م 

 

 

خاص_الفابيتا