أدركت الولايات المتحدة الأميركية أن قطاع الصناعات العسكرية لا يمكن أن يصل حد الكفاءة بمعزل عن القطاع الخاص القادر على التطوير والإبداع والابتكار؛ ما دفعها لخلق شراكة إستراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص.
لإحداث نقلة نوعية في الصناعات العسكرية.
تحفيز الحكومة الأميركية القطاع الخاص على الإبتكار؛ والتطوير ورصد الموازنات السخية لمشروعاته التطويرية؛ أسهم في انطلاقة الشركات الأميركية ونجاحها؛ وقادها لخلق قاعدة متنوعة؛ ومتطورة للصناعات العسكرية تدعم منظومة الدفاع وتوفر إحتياجاتها؛ وتحقق الربحية.
باتت صناعة الأسلحة تعتمد بشكل رئيس على التقنيات الحديثة؛ ومنها التقنيات الإلكترونية؛ والإشعاعية المدمرة. هناك ما يعرف بالحرب الإلكترونية؛ التي قد تحدث شللا تاما للدول؛ لا الجيوش فحسب. مثل هذه التقنيات لا يمكن للقطاع الحكومي أن يصل لها مهما بلغت كفاءته؛ لذا حرصت الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأميركية؛ وروسيا؛ وأوربا على تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الصناعات العسكرية وفق رؤية شاملة تحددها الحكومة؛ وإستراتيجيات بعيدة الأمد تشترك الحكومة والقطاع الخاص في وضعها لتحقيق أهداف محددة.
في السعودية؛ بُنِيَّ قرار تحول الصناعات الحربية إلى «مؤسسة مستقلة للصناعات العسكرية»؛ العام 1406م؛ على رؤية تطويرية تهدف إلى بناء قاعدة صناعية متكاملة للصناعات الحربية من خلال شراكة تكاملية مع القطاع الخاص. برغم التطوير؛ والإنتاج النوعي خلال الحقبة الماضية؛ إلا أن مخرجات الصناعات العسكرية لم تحقق أهدافها الإستراتيجية؛ ما جعلها أكثر حاجة للتطوير.
أزعم أن التغيير في قيادة المؤسسة وإدارتها ؛ بالاعتماد على القطاع الخاص؛ يشكل بداية التحول في قطاع الصناعات العسكرية. قد يكون مفاجئا تعيين أحد رواد صناعة البتروكيماويات ومؤسسيها في المملكة؛ المهندس محمد الماضي؛ رئيسا لها؛ لاختلاف القطاع الصناعي؛ إلا أن الكفاءة الإدارية قادرة على إحداث التطوير المستهدف في أي من القطاعات الصناعية؛ متى تهيأت الظروف وأُزيلت العقبات. أما البعد الإستراتيجي فربما يُرى من خلال القدرة على عقد الشراكات العالمية؛ وإدارة مراكز البحث؛ والإستحواذات وإعادة هيكلة قطاع الصناعات العسكرية وفق منظور القطاع الخاص؛ نقل التقنيات الحديثة؛ وتوطين الصناعات. إضافة إلى ذلك؛ فصناعة الحديد؛ الألمنيوم؛ البلاستيكيات المبتكرة؛ وبعض منتجات البتروكيماويات؛ ترتبط بشكل وثيق بالصناعات الحربية.
أحسب أن القطاع الخاص قادر على إحداث نقلة نوعية في الصناعات العسكرية؛ إلا أن منظومة العمل هي المتحكم الأول في المخرجات؛ فتغيير الرئاسة؛ وإشراك القطاع الخاص؛ قد لا يحقق الهدف المرجو؛ ما لم تتغير منظومة العمل في المؤسسة؛ ورؤية الحكومة تجاه دور القطاع الخاص في إنجاح الصناعات العسكرية.
تتجدد اليوم فرصة تطوير الصناعات العسكرية؛ مدعومة بطلب محلي مرتفع؛ وإحتياجات متجددة؛ ورغبة في تنويع قطاعات الإنتاج؛ وبالتالي إيجاد مصادر دخل جديدة. الصناعات العسكرية من أكثر الصناعات إدرارا للدخل والربحية. تحتل السعودية المركز الثامن عالميا في الإنفاق العسكري؛ وهي قادرة على تحويل جزء مهم من ذلك الإنفاق لتطوير صناعاتها العسكرية وتحقيق أهدافها الإستراتيجية؛ الصناعية؛ الأمنية والربحية؛ إضافة إلى دعم القطاع الخاص وإنشاء صناعات متنوعة.
خلق شراكة مع الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية أمر غاية في الأهمية. الصين؛ كوريا الجنوبية؛ روسيا من الدول التي يمكن الحصول منها على تقنيات الصناعة الحديثة؛ إضافة إلى الدول الأخرى. نجحت شراكة مصر مع كوريا في تطوير صواريخ سكود؛ والأقمار الصناعية؛ في الوقت الذي إستطاعت فيه الجزائر صناعة طائرات بدون طيار بشراكتها مع روسيا؛ وتشهد الأردن تطورا كبيرا في إنتاج المدرعات. أما إيران فقد استنزفت خبراء «الاتحاد السوفيتي» بعد تفككه؛ ودعمتهم بالشركات الصينية والروسية التي نجحت في خلق صناعات عسكرية ومدنية متقدمة جدا؛ وهي وإن كانت صناعات أجنبية؛ إلا أنها إيرانية المنشأ؛ وهذا هو الأهم.
السعودية في أمس الحاجة إلى إستراتيجية متقدمة للصناعات العسكرية؛ وفق رؤية تكاملية بين القطاعين الحكومي والخاص؛ لتحقيق جانب مهم من احتياجات قواتنا العسكرية محليا؛ ودعم قطاع الصناعة بشكل عام؛ والصناعات العسكرية بشكل خاص. تغيير رئاسة مؤسسة الصناعات العسكرية يفترض أن يكون بداية التحول الإستراتيجي في صناعة الأسلحة المتطورة في السعودية؛ واستنساخ التجربة الأميركية في الإنتاج العسكري من خلال القطاع الخاص القادرعلى بناء منظومة متكاملة من الصناعات العسكرية الملبية للإحتياجات الداخلية والمحققة لهدف تنوع الإنتاج؛ وتوطين الصناعة؛ ونقل التقنية؛ وخلق موارد مالية جديدة.
نقلا عن الجزيرة