رسالتي "الرقابية" إلى معالي الوزراء (٢/٢)

11/02/2015 0
نايف آل خليفة

تطرقتُ في الجزء الأول من هذا المقال عن أهمية فاعلية البيئة الرقابية والخطوات الأولية التي تحتاج لها كل وزارة في بناء هذا النظام المهم على المستويين المرحلي و الاستراتيجي، و خلصنا إلى أهمية بناء هذه البيئة من خلال البرامج التوعوية ومشاركة الموظفين في تقييم النظام الرقابي الذي سوف يكونوا جزءًا منه.

و في هذا الجزء الثاني من المقال سوف يتم الحديث عن أهم العناصر والمكونات في بناء البيئة الرقابية.

ازدادت بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة تأكيدات المهتمين بالشأن الرقابي الداخلي على أهمية بناء النظام الرقابي الداخلي للحد من تكرار سيناريوهات الأزمات المتكررة و التي ثبت مما لم يدع مجال للشك ارتباطها بالممارسات السلبية الداخلية.

لذا أصبحت القيادات الإحترافية على مستوى العالم تؤمن بأهمية الرقابة الداخلية باعتبار أن الأجهزة الرقابية الخارجية غير كافية في الحفاظ على أصول تلك المؤسسات سواء الحكومية منها أو غير الحكومية.

حيث يُراد بمعنى الأصول هنا "الأصول المادية" و"غير المادية" التي تقوم على أساسها أي مؤسسة لتحقيق أهدافها واستراتيجيها، و مع التطور الفكري الإداري والرقابي المستمر كان للإدارات التنفيذية الإحترافية عناية بالغة بجانب إدارة المخاطر لما لها من دور في تقليل "شهية المخاطر" إلى نسب يمكن حصرها و التعامل معها باحترافية، و هو ما دفع بعض الهيئات المهنية الدولية إلى بناء منظمات تعنى بهذا الشأن.

و عند الحديث عن البيئة الرقابية فإن المراد بذلك هو السياسات و الإجراءات التي تعكس توجهات الوزارة و تنظم و تهيكل عملها بطريقة تؤثر في وعي وسلوك وأداء موظفيها.

و من تلك السياسات الهامة جداً هو وجود نظام فاعل يعنى بجانب النزاهة و القيم الأخلاقية، حيث يعتبر هذا الجانب الأساس الذي تبني عليه أي مؤسسة نجاحها من فشلها في تحقيق أهدافها فضلاً عن تحقيق بيئة عملية صحية حاضنة للإبداع و الإبتكار.

لذا كان لزاماً على أي مسئول أن يهتم ببناء هذا الجانب الذي ما فتئ ينخر في جسد أي مؤسسة ويمنعها من تحقيق أهدافها.

كما أنه يعتبر إرساء لمنهج الوزارة و رسالتها السامية التي تسعى إلى تحقيقها لوضع حد للممارسات السلبية المحتملة.

و من تلك السياسات و الإجراءات التي تساعد في بناء البيئة الرقابية وجود نظام واضح يعكس فلسفة الوزارة في عملية التواصل الداخلي مع موظفيها، حيث يعتبر هذا الجانب من أكبر المعوقات التي تواجه الشرفاء والمخلصين من الموظفين في نقل المخاطر الناتجة من الممارسات السلبية التي قد يرتكبها بعض زملائهم، أو لوجود خلل ما في النظام الداخلي، نظراً لغياب الإجراء الذي يحدد الآلية التي يتم فيها التواصل، فضلاً عن المقترحات التي يرغب بعض الموظفين في نقلها لمكتب الوزير أو الوكيل أو المدير أو المسئول المعني بهذا المقترح.

كما أن سياسة الأبواب المغلقة تعطي للموظفين انطباع سلبي مما يشعرهم بالإحباط الذي يؤثر بالتأكيد سلبا على أدائهم.

فكلما كان الرؤساء قريبين من مرؤوسيهم؛ كلما كان أدائهم و نتائج أعمالهم أكبر و أفضل بفعل الشفافية الناتجة من التواصل المباشر.

ومن الجوانب المهمة المساعدة في تحقيق بيئة رقابية فاعله هو اهتمام معاليكم بتقارير المراجع الداخلي والحرص على عقد اجتماعات دورية مع هذا الجهاز الهام للإطلاع على نتائج البرامج المنفذة، و لما تحتويه من مخاطر مالية وتشغيلية وتعكس مدى الإلتزام بالسياسات والإجراءات المعتمدة.

كما يساعد جهاز المراجعة الداخلية في تقديم التوصيات الاستشارية لتحسين الأداء و معالجة المخاطر وذلك من خلال تقديم أفضل الممارسات المعمول بها في القطاعات المماثلة.

ومما يجعل هذا الجهاز أكثر فاعلية هو شعور موظفي الوزارة باهتمامكم لما يقومون به من أنشطة وبرامج مع القيام بالتقييم الدوري كل ثلاث أو خمس سنوات لهذا الجهاز للتحقق من التزامه بمعايير وأخلاقيات المهنة وكفاءات المهارات للموظفين العاملين في هذا الجهاز.

ومن السياسات و الإجراءات التي تساعد في بناء البيئة الرقابية السياسات المتعلقة بالموارد البشرية حيث تعطي انطباع عن مستوى النزاهة و العدالة في التعامل مع الموظفين وفق سياسة معلنة وإجراءات و اضحة وخاصة فيما يرتبط بالجانب التطوير للموظف.

حيث تساعد السياسات والإجراءات المرتبطة في هذا الجانب في وضع الإطار الرقابي والذي يبين ما لكل طرف وما عليه من واجبات و مسؤوليات وصلاحيات وأهداف يجب أن يعمل على تحقيقها. وهذا للأسف ما يفتقده الكثير من موظفي القطاع الحكومي.

معالي الوزراء، إن الدور المرتقب الذي ينتظره الجميع من معاليكم يتطلب إحداث تغيير نوعي يسهم في حصر التحديات التنموية و المخاطر التي قد تعيق من تحقيقها.

حيث أن العمل المشترك و المنظم بين القطاعات يعزز لتحقيق هذه الرؤية مما يؤكد على أهمية تفعيل الوظائف الرقابية بصورة إحترافية ذات الطبيعة الإستشارية وليست "البوليسية" مما تساعد في تحقق قيمة مضافة على أعمال وأهداف الوزارة.

وهذا بالتأكيد يتطلب استقطاع الكفاءات والقيادات المختصين في مجال الرقابة وإدارة المخاطر من أبناء الوطن لبناء هذه البيئة والمنظومة الرقابية التي ستحتاج إليها وزارتكم في قابل الأيام.

والله اسأل أن يكتب لكم التوفيق و النجاح في تحقيق ما تصبوا إليه القيادة و الشعب من منجزات ملموسة وغير مسبوقة والله يحفظكم و يرعاكم.