في كل المراحل الدراسية التي مررت بها كان طموح زملاء الدراسة منذ الصغر أن يكون الواحد منهم (طبيباً) أو (مهندساً) أو (إعلامياً) أو (مدرساً) لم يكن أحد تقريباً يخرج عن طموح (الوظيفة الحكومية) بمختلف مسمياتها لقد تركز في الأذهان موضوع الراتب المضمون وانعدام الطرد من العمل، بعض من لا يفصحون عن طموحهم ربما كانوا (يهوون التجارة) لأن آباءهم يعملون فيها.. أما الحرف اليدوية فلا أذكر ان أحداً فكر فيها أو ذكرها بخير.. الثقافة العربية المتأخرة لا تحترم الحرف كثيراً ولا تشجع على الريادة في الأعمال وتخشى مغامرة التجارة حتى كلمة (سوق) دلالتها غير جيدة في ثقافتنا فكلمة (سوقي) أقرب إلى السب..
هذا كله بعيد جداً عن تعاليم ديننا الحنيف، فكل عمل شريف عبادة مع حسن النية، والحرف اليدوية تحظى بمنتهى الاحترام، والرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول: (ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده)، وصافح (صلى الله عليه وسلم) رجلاً يده خشنة من أثر العمل فقال (هذه يد يحبها الله ورسوله).. والنصوص في هذا المعنى النبيل كثيرة، والأنبياء عليهم السلام كانوا يحترفون فمنهم النجار والحداد وراعي الغنم والخياط، وأعلامنا عرفوا بمهنهم كالزجاج والقفال والحداد والنحاس والدباغ، وكبار الصحابة كانوا أهل حرف أو تجارة فأبوبكر بزاز وعثمان تاجر استيراد وتصدير وعبدالرحمن بن عوف صاحب المقولة الشهيرة (دلوني على السوق) وأكثرهم مزارعون يعملون بأيديهم وزينب بنت جحش زوج الرسول كانت تخيط وتدبغ وتغزل (صناع) كما وصفوها..
إن مناهجنا الدراسية ينبغي ان تحض النشء على الأعمال الحرة من حرف وتجارة ومنذ الصغر.. وتُضمن مقرراتها مبادئ الحرف والتجارة.. فإن تسعة أعشار الرزق فيها.. والوظائف لن تستوعب ولن تغني.
نقلا عن الرياض
مقال رائع ...........
ما قل ودل