يبدو أن معدل التضخم في قطر قد اتجه إلى التراجع بعد أن سجل ارتفاعاً ملحوظاً في الفترة ما بين مارس إلى أغسطس من العام 2014، عندما وصل إلى مستوى 3,8% مقارنة بـ 2,6% في شهر مارس. وقد شهد الربع الأخير من العام عودة المعدل إلى 3% فقط في شهري أكتوبر ونوفمبر، ثم تراجع إلى 2,7% في ديسمبر الماضي.
والملاحظ أيضاً أن الرقم القياسي للأسعار -الذي يُبنى معدل التضخم على ما يطرأ عليه من تغيرات- قد سجل تراجعاً لأول مرة في شهر ديسمبر عندما انخفض من 119 نقطة في نوفمبر إلى 118,6 نقطة في ديسمبر. وذلك يشير بوضوح إلى وجود تغيرات حقيقية في الإتجاهات التضخمية في قطر تستحق الرصد والتنويه لمعالمها والبحث عن أسبابها ودلالاتها.
الجدير بالذكر أن معدلات التضخم في الدول الصناعية عند أدنى مستوياتها نتيجة لعاملين أساسيين هما التباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي كما في أوروبا واليابان، وبسبب تراجع أسعار النفط وهو ما يضغط على معدلات التضخم بشدة كما في الولايات المتحدة. فلماذا يتراجع المعدل في قطر في بلد تستقر فيه أسعار الوقود، ويرتفع معدل النمو حيث بلغت نسبته 6,5% في النصف الأول من العام 2014؟
يعرف الجميع أن معدل التضخم في قطر واقع تحت تأثير أسعار الإيجارات التي لها –مع الوقود- أعلى نسبة وزن تصل إلى 32,2% من سلة السلع والخدمات التي يقيسها الرقم القياسي للأسعار، وهو ما يعني أن تكلفة الإيجار والوقود تشكل تقريباً ثُلث إنفاق الإسرة في قطر في المتوسط. ومع بدء تدشين المزيد من مشاريع البُنية التحتية في موازنة العام الحالي التي انطلقت في إبريل الماضي، فإن ذلك قد واكبه زيادة ملحوظه في عدد السكان، وزيادة في السيولة المتاحة. وساهم اكتتاب أسهم شركة مسيعيد، وما ترتب عليه من أرباح للمكتتبين في زيادة أحجام السيولة المتاحة، فكان أن بدأت موجة ارتفاع الأسعار التي أشرت إليها منذ إبريل من العام الماضي.ولكن هذه الموجة قد بدأت في الانحسار منذ شهر سبتمبر، ووصلت نهايتها في نوفمبر، ليشهد الرقم القياسي للأسعار تراجعاً في ديسمبر كما هو مشار إليه أعلاه.
والمتأمل لمكونات الرقم القياسي للأسعار التي صدرت قبل أسبوعين عن شهر ديسمبر سيجد أن مكون الإيجار والوقود قد استقر بدون تغير عن نوفمبر عند مستوى 98,1 نقطة، وهو الذي كان في حالة ازدياد مضطرد منذ يونيو 2012 من مستوى 83,5 نقطة. كما أن جميع المكونات الأخرى إما أنها سجلت تراجعاً عما كانت عليه في نوفمبر الماضي؛ كما في مكونات أسعار: الغذاء، والتسلية والترفيه، والنقل والاتصالات، والأثاث، والملابس أو أنها لم تتغير؛ كما في العناية الطبية، والسلع المتفرقة، والإيجار. ومن الواضح أن هذا التغير الملموس الذي طرأ على مكونات الرقم القياسي للأسعار الذي يقيس التضخم، له أسبابه التي يمكن أن نشير إليها في الآتي:
1- ارتفاع سعر صرف الريال القطري-المرتبط بالدولار- أمام الين الياباني واليورو وبعض العملات الرئيسية الأخرى بقوة في عام 2014، مما ساهم في انخفاض أسعار الواردات من هذه الدول.
2- توقف الزيادة المضطردة في عدد السكان بحيث سجل العدد الصادر عن إدارة الإحصاء انخفاضاً في نهاية ديسمبر إلى مستوى 2,23 مليون نسمة مقارنة بما كان عليه مع نهاية نوفمبر. مع العلم أن جانب من هذا الانخفاض يرجع إلى إجازات موسم الأعياد.
3- تراجع أسعار النفط إلى أكثر من النصف ما بين يوليو وديسمبر من العام المنصرم، مما استلزم مراجعة لبرامج الإنفاق الحكومي والعام والخاص. كما أن هذا الانخفاض في أسعار النفط قد أدى حتماً إلى حدوث تراجع في النمو الاقتصادي في الربع الرابع من العام 2014 إذا ما قيس ذلك بمعدل التغير في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية.
4- اختلال ميزان العرض والطلب على الوحدات السكنية بعد أن وصلت أسعارها إلى مستويات مرتفعة لم تعد تتناسب في كثير من الأحيان مع مستويات دخول المستأجرين، مما أوجد نمطاً جديداً من الإيجارات يتمثل في سكن عدة عائلات في بيت واحد.
5-استمرار البرامج الشهرية التي يقوم بها مصرف قطر المركزي لضبط أحجام السيولة في الجهاز المصرفي من خلال إصدارات الأذونات بمعدل 4 مليار ريال يتم امتصاصها شهرياً.
وبالنظر إلى أن العوامل المسببة لتراجع الأسعار ستظل قائمة في الشهور القادمة، لذا أتوقع أن يستمر تراجع الاسعار بحيث بنخفض معدل التضخم دون 2%، وقد يتراوح ما بين 1,5% إلى2,5% في عام 2015. وهذا التراجع في معدل التضخم له جانب إيجابي حيث تنخفض فاتورة الاستهلاك بالنسبة للناس، وقد رأينا كيف أن سعر كيلو سمك الهامور قد انخفض من 80-90 ريال في صيف العام الماضي إلى ما بين 25-35 ريال في شهر يناير. وفي المقابل فإن انخفاض معدل التضخم يشير إلى تراجع النمو الاقتصادي، ومن ثم إلى تراجع فرص العمل المتاحة للتوظيف، وهو جانب سلبي.
ويظل في بعض ما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الصواب والخطأ،،، والله جل جلاله أجل وأعلم،،،