رغم أن خطاب حضرة صاحب السمو الأمير حفظه الله، قد جاء كالعادة شاملا لكافة القضايا التي تهم الدولة والمجتمع داخلياً وخارجياً، وحدد للوزارة إطار عملها في سنة كاملة، إلا أن الملاحظ أنه قد أعطى اهتماماً خاصاً للموضوعات الاقتصادية، وفصل فيها بشكل لافت للنظر، باعتبار أن الاقتصاد هو شاغلنا الأساسي؛ على حد تعبير سموه.
وقد أعطى سموه تطمينات مهمة لنواب الشعب بأن الانخفاض الطارئ على أسعار النفط الخام منذ صيف هذا العام لن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد القطري، وخطط التنمية، باعتبار أن الموازنة العامة للدولة يتم اعتمادها عند سعر متحفظ جداً للنفط الخام وهو 65 دولاراً للبرميل.
وبالنظر إلى أن البلاد تسير منذ عام 2011 وفق خطة استراتيجية تغطي الفترة حتى عام 2016، فإنه قد أشار إلى أن الخطة قد خضعت لتقييم موضوعي لما تم في سنواتها الثلاث الأولى، على ضوء التغيير الذي طرأ على مختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية. وتطرق الخطاب إلى موضوعات اقتصادية أخرى جديرة بالإهتمام ومنها:
1-التأكيد على ضرورة إفساح المجال للقطاع الخاص للمشاركة بفاعلية في مختلف أوجه النشاط، وإعطاء تعليمات لعدم منافسة الدولة للقطاع الخاص.
ولكي تكون مشاركة القطاع الخاص فاعلة لا بد من تيسير أموره التي تعينه على النجاج فيما يقوم به من مشروعات؛ ومن هنا وجه سموه بإزالة كل العراقيل والمعوقات التي تحول دون هذه المشاركة الفاعلة ومنها: توفير المخازن والمناطق اللوجيستية للشركات وإطلاق مشروع المناطق الاقتصادية، ووضع خطة لتوفير الأراضي، وتسهيل التراخيص للمصانع التي تحتاجها البلاد. كما وجه بحل قضايا سكن العمال.
2- طالب سموه بوضع جدول زمني لتنفيذ المشاريع الكبرى كالميناء الجديد، وفقاً لمدد زمنية محددة، للحد من الضغوط على القدرات الاستيعابية.
والهدف من ذلك بالطبع هو إبقاء معدل التضخم تحت السيطرة، باعتبار ذلك من الأهداف الأساسية والمهمة التي تحرص الدولة على تحقيقها خدمة للمجتمع، وللصالح العام.
ولكي يتحقق ذلك، فإن سموه قد أشار صراحة إلى أهمية تخفيض أسعار العقارات التي تعتبر من المكونات الأساسية والمؤثرة في مقياس التضخم خاصة وأن ارتفاع أسعار العقارات يرفع بدوره من معدلات الإيجارات التي تشكل مع تكلفة الطاقة 32,2% من أوزان الرقم القياسي العام للأسعار.
الجدير بالذكر أن معدل التضخم قد ارتفع في شهري أغسطس وسبتمبر إلى ما بين 3,6-3,8% وهو معدل مرتفع نسبياً مقارنة بما كان عليه في السنوات السابقة عندما كان يتراوح ما بين 1-2,8% فقط.
3-التوجيه المباشر والصريح بتنشيط البورصة، باعتبار أن ذلك يصب في مصلحة المواطنين ويساعد على تفعيل الأداء الاقتصادي.
والتنشيط المطلوب يمكن أن يتم بوسائل عدة في مقدمتها تنفيذ توجيهات الأمير السابقة بإدراج المزيد من الشركات في بورصة قطر، عن طريق خصخصة بعض ما تملكه شركة قطر للبترول من حصص في الشركات المختلفة، والسماح بتحويل المزيد من الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، وتيسير إدراج أسهم بعض الشركات العامة التي لا تزال مقفلة.
وأشار سموه إلى أنه من أجل تنشيط البورصة تم اتخاذ قرارات منها رفع نسبة مساهمة الأجانب في الشركات المساهمة.
لكن هذا القرار الذي مضى على صدوره عدة شهور لم يوضع موضع التنفيذ العملي بعد، وقد طلبت وزارة الاقتصاد والتجارة من شركة قطر للتأمين مؤخراً تأجيل إدراج موضوع رفع نسبة القطريين فيها، لحين اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
4-تطرق خطاب سمو الأمير أيضاً إلى موضوع الزراعة عندما أعطى توجيهاته لرئيس الوزراء بتنفيذ مشروع التجمع الزراعي الغذائي الأول في قطر. ورغم أن الخطاب لم يتضمن تفصيلات عن هذا الموضوع إلا أن من الواضح أن النمو السكاني المطرد الذي أوصل عدد السكان مع بداية هذا الشهر إلى نحو مليونين وربع المليون نسمة، بات يستوجب إعطاء الأمن الغذائي المزيد من الاهتمام.
صحيح أن الدولة قد عملت على هذا الموضوع منذ سنوات من خلال شركة حصاد التي اهتمت بامتلاك المشروعات التي تنتج اللحوم والمحاصيل الزراعية على مساحات شاسعة خارج البلاد، إلا أن التطور التكنولوجي في هذا المجال ونجاح بعض الدول في إقامة مجمعات ومدن زراعيه متطورة قادرة على الإنتاج في كل الظروف، وبتكلفة محدودة، يجعل نقل مثل هذه التجارب إلى قطر أمراً ممكناً دون أن يتطلب ذلك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، أو كميات وفيرة من المياه، أو أعداد كبيرة من الأيدي العاملة.
5- ضرورة وضع خطط لتنمية السياحة الداخلية، فقد توافرت لدى قطر في السنوات الأخيرة ظروف وإمكانيات تضاف إلى ما تتمتع به من مناخ معتدل في فصل الشتاء وشواطئ ساحلية واسعة.
ومن هذه التسهيلات البُنية التحتية المؤهلة لقيام سياحة من فنادق عالية الجودة، والمنطقة السياحية كتارا، ومدينة الملاهي أكوا، والأسواق والمولات الكبيرة، ووجود مستشفيات علاجية، فضلاً عما يشكله أسطول خطوط القطرية للطيران من دعم كبير للسياحة الوافدة إلى قطر.