الإفصاح وشفافية الشركات: "موبايلي" لم تخطئ بل منظومة السوق المالية !

10/11/2014 16
حسام الغيلاني

لم تخطئ شركة اتحاد الاتصالات "موبايلي" في التعامل إجرائياً مع خطأها المحاسبي الذي أعلنت عنه الأسبوع الماضي، بل على العكس تماماً، اتخذت موبايلي، بالحد الأدنى، الإجراءات الواجب اتخاذها بموجب نظام السوق المالية، والذي يلزم الشركة، كجهةٍ مصدرةٍ للأوراق المالية "الأسهم" المتداولة في السوق، بإبلاغ الهيئة خطياً بالتطورات الجوهرية التي قد تؤثر على سعر السهم المتداول، وذلك عند علم الشركة بهذه التطورات.

وهو ما فعلته "موبايلي".

بعبارةٍ أخرى، وبحسب الإعلان المنشور على "تداول"، فإن "موبايلي" هي من طلبت من هيئة السوق المالية التعليق المؤقت لتداول أسهمها نظراً لانعقاد لجنة المراجعة –إحدى لجان مجلس إدارة الشركة–، وهو التطور الجوهري الذي كان من شأنه التأثير على سعر تداول السهم، وذلك قبل أن تعلن الشركة في نفس اليوم عن عدم تمكنها من نشر قوائمها المالية للربع الثالث.

أعلنت موبايلي بعد (4) أربعة أيام من إعلانها الأول عن القوائم المالية الربع السنوية والخطأ المحاسبي في إعلان قوائمها المالية، لتتبع ذلك بالإعلان عن عدم صرف أرباح الربع الثالث.

وبالنتيجة، تفاعل السوق مع هذه الأخبار سلباً، ليفقد السهم أكثر من 25 من المئة من سعره هبوطاً منذ رفع حالة التعليق المؤقت ونشر الشركة قوائمها المالية.

في ظل حزمة الأحداث السابقة، فإن ما حدث من ردود أفعال المستثمرين والإعلام والشركة، على التوالي، لم يكن مستبعداً، لكنه اتخذ منحىً درامياً تمثل في أحداثٍ إعلامية جانبية لا تمت للموضوع الأساس بصلة، وإن كانت ستؤثر حتماً على تداولات سهم الشركة في السوق الذي يمثل المستثمرون الأفراد غالب متداوليه. 

انتظمت الحادثة الأخيرة في عِقد الحوادث التي شهدتها السوق المالية في المملكة منذ عام 2006م، كان عاملها المشترك الأكبر هو الإفصاح، الذي هو روح السوق وعامل بناء الثقة فيه.

وكشفت الحادثة عن أبعادٍ أخرى لضعف البنية التحتية للإفصاح في السوق المالية يمكن تلخيصها، على الأقل لأغراض هذا المقال، في ثلاثة محاور هي: أدوات التكامل بين الجهات المسؤولة عن السوق المالية، وإجراءات التسجيل والإدراج، وأدوات الإشراف والرقابة.

في الصورة الأكبر، تكشفت حالة ضعف السوق المالية في غياب الأدوات التنظيمية والتنفيذية اللازمة للحد من تداول الأفراد عالي المخاطر، والذي لا زال مستمراً دون تدخلٍ أو إفصاحٍ عن مدى تأثيره على السوق، ومرّت بضعف الإجراءات التنظيمية والتنفيذية اللازمة لمنع انفجار فقاعة الشركات حديثة الإدراج، والتي لم يكن الإفصاح فيها سوى نشرات إصدار تبين عورها بمجرد الإدراج، وانتهت أخيراً بانكشاف ضعف أدوات الرقابة على سلامة المراكز المالية والممارسات المحاسبية للشركات المدرجة، والتي كادت أن تستمر لولا مبادرة "موبايلي" بتعليق الجرس والاعتراف بالخطأ.

وتقاطع مع هذا كله غيابٌ كاملٌ للمنظومة القضائية ذات العلاقة (لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ولجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية) عن ملء الفراغات التشريعية ووضع المبادئ وتفسيرها وتصحيح الأخطاء التنظيمية بأحكامٍ موضوعيةٍ نوعيةٍ تحقق أغراض السوق، وتضمن تحقيق عدالة التعاملات فيه.

السوق المالية في المملكة اليوم هي ضحية منظومة لم يصل بعض أطرافها إلى المرحلة اللازمة تنظيمياً وتنفيذياً، ولم تتكامل ولم تنسجم بعد فيما بينها، وهو ما يجب الاعتراف به أولاً وقبل كل شئ، لأن هذا الاختلال التنظيمي، أو (Regulatory Arbitrage)، هو من أوجد الظروف الملائمة لتكرر الأخطاء، والفرص للتلاعب والتحايل والاستغلال.

تكامل منظومة السوق المالية يعني ابتداءً وجود سياسة عامة، قد تأخذ شكل النظام، لكن الأهم أن تشترك فيها ويشار فيها إلى أدوار ومسؤوليات الجهات التنظيمية ذات العلاقة شكلاً وموضوعاً، خصوصاً وأن نظام هيئة السوق المالية، بوضعه الحالي، لم ينجح حتى اللحظة في تحقيق هذه الغاية.

ومع رصيد التجارب والخبرات المتراكمة التي مرت بالسوق، تبدو الظروف مناسبة لتحقيق ذلك عبر المجلس الاقتصادي الأعلى ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة وهيئة السوق المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة المحاسبين القانونيين.

وحتى يتحقق ذلك، وبالنظر إلى الدورة التشريعية الطويلة، فإن هناك عدداً من المعالجات التي يمكن تنفيذها في المدى المنظور.

أولها، إعادة النظر في متطلب الإفصاح الربع السنوي من قبل هيئة السوق المالية، ومدى فاعليته في حماية المستثمرين من جهة، ومدى تأثيره على إدارة الشركات والاستثمارات بشكلٍ مستدام وطويل المدى من جهة أخرى، بدلاً عن أهداف تحقيق الأرباح قصيرة المدى، والتي تبدو سمة بارزة للسوق المالية في المملكة.

وبالمقارنة والمقاربة، فإن الاتحاد الأوروبي أقر إلغاء متطلب التقارير الإدارية المؤقتة والتقارير المالية الربع سنوية، ولذات الأسباب، والاكتفاء بالتقارير المالية النصف سنوية والسنوية ابتداء من اكتوبر 2015م في كافة دول الاتحاد.

هذه المعالجة تستلزم التكامل والانسجام مع نظام الشركات ضماناً لدقة المعلومات المالية وسلامتها، وتحديداً للمسؤولية تجاهها.

ثاني المعالجات بدأت وزارة التجارة والصناعة بالعمل عليها، وذلك من خلال منصتها الالكترونية "قوائم" والتي أعلنت عنها الأسبوع الماضي كعملٍ مشترك بين الوزارة وهيئة المحاسبين القانونيين ومصلحة الزكاة والدخل، وتهدف إلى الربط الالكتروني بين الجهات لتلقي ومعالجة القوائم المالية للشركات بشكل الكتروني، كلٌ بحسب اختصاصه.

وهنا تبدو مشاركة هيئة السوق المالية فرصة لتحقيق جزء من التكامل في هذا الجانب.

الأمر الثالث، هو أن تعالج هيئة المحاسبين القانونيين الاختلال في فرض متطلباتها المحاسبية على كافة الجهات، وهذا يتطلب تسريع التحول أولاً إلى إحدى المعايير المحاسبية الدولية والانسجام معها، خصوصاً وأنه من غير المنطقي أن تطبق عدة أنظمة محاسبية على الشركات المدرجة في السوق المالية بسبب اختلاف جهة الإشراف والرقابة، كما هو حاصل مع مؤسسة النقد والجهات التي تخضع لإشرافها من بنوك وشركات تأمين مدرجة في السوق، والملزمة بتطبيق معيار (IFRS)، في الوقت الذي تلزم فيه بقية الشركات المدرجة بتطبيق معيار الهيئة (SOCPA).

رابع المعالجات تتمثل في التكامل والانسجام الموضوعي بين نظام الشركات ونظام المحاسبين القانونيين والمعايير المحاسبية للهيئة، إذ يفرض نظام الشركات عقوبات على المدراء وأعضاء مجالس الإدارات ومراقبي الحسابات في حال تقديم معلومات كاذبة أو إغفال وقائع جوهرية في الميزانية أو في تقارير الأرباح والخسائر أو في تقارير الشركاء أو الجمعية العمومية بهدف إخفاء المركز المالي للشركة، لكنه لا يقدم أحكاماً موضوعياً بشأن نطاق مسؤولية المدراء وأعضاء مجالس الإدارة تحديداً عن هذه المعلومات من حيث تفويض المسؤولية بشأنها، وصحة هذه المعلومات وسلامة معالجتها ودقة عرضها، وهي أمور لا يمكن لأي مراقب حسابات خارجي أن يكون على إطلاعٍ كافٍ لتحمل مسؤوليتها، وهي الممارسة المحاسبية الواقعة اليوم والتي يتضمنها كل تقرير مالي بإخلاء المسؤولية من صحة المعلومات الواردة في التقارير المالية، والحادثة الأخيرة في "موبايلي" أكدت ذلك.

وعوداً على حادثة "موبايلي"، فإن استباق الأحداث والأحكام لا يخدم السوق المالية ولا ثقة المستثمرين فيه، لكن، وبمطالعة لأهم ما سبقت مناقشته في هذا المقال، فإنه سيكون مثيراً للاهتمام متابعة ما ستنتج عنه تطورات هذه الحادثة ومدى تطبيق كل جهة لأنظمتها، ومدى فاعلية وانسجام التطبيق، لكن الأكثر إثارة للاهتمام هو تقديم تفسير لهبوط أسعار الشركة خلال الفترة من 26 أكتوبر حتى إعلان الشركة طلبها التعليق المؤقت لتداول أسهمها في 29 أكتوبر، وآلية التعامل مع ذلك، فهنا حماية الإفصاح والسوق من تداول الأسهم بناء على معلومات داخلية كانت وستظل مسؤولية هيئة السوق المالية.