مرت البرامج والتطبيقات التي نستخدمها من خلال أجهزة الحاسب الآلي وأجهزة الهاتف النقال بتطورات جذرية في الأعوام الماضية نتيجة التطورات الكبيرة في مجال الحوسبة السحابيةcloud computing. نتج عن هذه التطورات إصدار إطار تنظيمي من قبل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات يختص بالتشريعات والضوابط الفنية اللازمة لإصدار تراخيص تقديم هذه التقنية الجديدة.
أبرز ما هنالك من تطورات نجدها في تقديم البرامج من خلال الحوسبة السحابية حيث يمكن للمستفيدين من أفراد ومؤسسات وجهات حكومية استخدام برامج جاهزة للحصول على خدمات كثيرة ومتنوعة، مثل البرامج المحاسبية وبرامج خدمات العملاء وغيرها من برامج وتطبيقات جاهزة للاستخدام. لكن هناك كذلك جزيئات برمجية يستفاد منها في تطوير وتشغيل برامج أخرى، وتقديم هذه البرمجيات بجميع أشكالها يعرف بمجال البرمجيات كخدمة، أوSoftware As A Service، وهو مجال كبير تتجه الأنظار إليه الآن، ويعد فرصة كبيرة للشركات السعودية والشباب السعودي للدخول إليه والاستفادة من الفرص المتاحة محليا وخارجيا.
تم الترخيص لعدد من الشركات لتقديم الخدمات السحابية في المملكة من قبل هيئة الاتصالات، وهذه الرخص تأتي في تصنيفات معينة، أعلاها التصنيف (ج) الذي يتطلب الحصول عليه وجود مركز بيانات بمواصفات تقنية عالية، إلى جانب الحصول على شهادات مهنية عالمية خاصة بالمواصفات والمعايير الفنية لمراكز البيانات. وحاليا حصلت ثلاث جهات على هذا الترخيص، هي شركة الاتصالات السعودية وشركة اتحاد اتصالات “موبايلي” والشركة السعودية لتقنية المعلومات. كما يوجد ست جهات لديها تراخيص من فئة (ب)، وكذلك ست جهات لديها تراخيص من فئة (أ).
الحصول على التراخيص اللازمة أمر ضروري لكن الأهم من ذلك وجود خدمات تلبي احتياجات العملاء الذين عادة ينظرون إلى الخدمات السحابية على أنها ثلاث فئات مختلفة، فما هذه الفئات الثلاث؟
الخدمة السحابية ممكن أن تكون على مستوى التجهيزات الأساسية وتسمى IaaS، وهي طريقة مفيدة للمؤسسات التي ترغب في التخلص من مراكز البيانات، حيث تتولى الجهة مقدمة الخدمة مسؤولية إدارة وتشغيل جميع أجهزة الحاسب وأجهزة الشبكات وأجهزة التخزين نيابة عن الجهة. أما الفئة الثانية من خدمات الحوسبة السحابية فهي تشمل التجهيزات الأساسية، لكن تضاف إليها أجهزة البرامج الرئيسة، مثل برامج التشغيل “ويندوز” و”لينيكس” وغيرها، وفي ذلك فائدة كبيرة للشركات، لكونها تغني عن توظيف مختصين لإدارة تلك البرامج وعمل التحديثات اللازمة لها وتجديد رخصها، وما إلى ذلك.
أما الفئة الثالثة فهي الفئة الأهم حاليا وهي الأكثر توسعا وانتشارا، وهي على مستوى البرامج متعددة الأغراض وجزيئات البرامج، وتسمى SaaS، وقد بلغت إيراداتها في 2020 نحو 108 مليارات دولار، ومتوقع أن تنمو بنسبة 30 في المائة بشكل تراكمي على مستوى العالم. هناك برامج كاملة يمكن الاستفادة منها من قبل المستخدم النهائي، وهذه تقدم من قبل شركات لديها حلول من نوع B2C، ويقصد بها خدمات موجهة للأفراد، ويستفاد منها من قبل الشركات التي لديها حلول B2B، وهي الخدمات المقدمة للشركات فيما بينها.
قد يكون الدخول إلى مجال البرامج الجاهزة الموجهة للأفراد أمرا صعبا وفيه تنافس كبير بين الشركات الكبرى، لكن هناك مجال العمل على جزيئات برمجية يستفاد منها في البرامج الكبرى، على سبيل المثال هناك برمجيات صغيرة للتحقق من الهوية أو رفع مستوى الأمان في البرامج أو إجراء الدفع الإلكتروني، أو حتى استضافة الصور ومقاطع الفيديو، أو عرض الرسومات البيانية، أو أي عدد كبير من المكملات التي يمكن تقديمها من خلال “الكلاود” ويستفاد منها في مواقع الإنترنت والبرامج والتطبيقات.
أين نحن من تقديم البرامج كخدمة سحابية؟
الخدمات السحابية فتحت آفاقا جديدة يمكننا الاستفادة منها في تطوير البرامج ذات الطابع المحلي، ويمكن تسويقها حول العالم بسهولة تامة، وهذا ما يميز الخدمات السحابية في كونها تجعل التوسع والانتشار أمرا في غاية السهولة نتيجة الاعتماد على أجهزة وبرمجيات مقدمي الخدمات السحابية الموجودين من خلال الإنترنت في كل مكان. كما أن زيادة السعات التخزينية ورفع سرعة أداء الأجهزة بات أمرا تلقائيا يتم تنفيذه دون أي تدخل من المسؤول عن البرنامج، وبتكلفة مبنية على الاستخدام الفعلي لتلك التجهيزات الإضافية.
من المهم إدراك أن دور مقدمي الخدمات السحابية من فئة (ج) والموجودين حاليا في المملكة يتمثل عموما في تقديم البنى التحتية اللازمة للخدمات السحابية، وأن مسؤولية الاستفادة من هذه التجهيزات تعود للشركات ورواد الأعمال والمبتكرين. ورغم ذلك لا يزال كثير من العملاء يعتمدون على مزودي الخدمات السحابية العالمية بسبب اكتمال ما لدى تلك الأطراف من بنى تحتية وتجهيزات فنية ودعم كبير للعملاء، لكن لدى مقدمي الخدمات السحابية المحليين ميزة الطابع المحلي من جهة، والوجود الجغرافي من جهة أخرى.
تأتي أهمية الوجود الجغرافي القريب للعميل في أنها تحل مشكلة سرعة الوصول إلى البيانات، وهي مشكلة تتزايد حدتها مع مرور الزمن. لماذا؟ متوقع أن يصل حجم البيانات على مستوى العالم إلى نحو 175 “زيتابايت” في 2025، والزيتابايت الواحد يعادل مليون تيرابايت، والتيرابايت الواحد يعادل تقريبا السعة التخزينية لمعظم أجهزة الحاسب الشخصية، أي إن حجم البيانات في العالم سيعادل سعة 175 مليون حاسب شخصي. وتقريبا نصف هذه البيانات سيتم تخزينها على السحابة cloud، ويشمل ذلك مراكز البيانات الكبرى وكذلك ما يعرف بأطراف السحابة، وهي الأجهزة القريبة للعملاء مثل مراكز بيانات تابعة لمزودي خدمات محليين أو الموجودة في مراكز أبراج الهواتف النقالة.
لذا تأتي أهمية مقدمي الخدمات السحابية المحليين في تخفيف عبء التخزين ونقل البيانات نتيجة قربهم إلى المستخدم النهائي. كما أن بعض مقدمي الخدمات السحابية المحليين لديهم بالفعل حلول متنوعة لبرامج يتولون إدارتها وصيانتها وتقدم للعميل بشكل جاهز، لكنها لا تزال محدودة في تنوعها ووجود بدائل خارجية. ورغم ذلك هناك تحركات مهمة من أطراف حكومية وغير حكومية عدة تصب جميعها في تعزيز مكانة المملكة في مجال البرامج والبرمجيات وفي كون المملكة تطمح أن تكون مركزا تقنيا إقليميا تماشيا مع رؤية المملكة 2030.
نقلا عن الاقتصادية