يمكن القول إن الاتفاق الذي تم توقيعه في الأسبوع الماضي بين مصرف قطر المركزي وبنك الشعب الصيني لإنشاء مركز متخصص لمقاصة وتسوية اليوان الصيني، هو اتفاق تاريخي بكل المقاييس.
وفي حين جاء هذا الاتفاق تتويجاً لعلاقات اقتصادية متنامية بين البلدين منذ سنوات، فإنه يفتح الباب واسعاً أمام نمو هذه العلاقات باضطراد في المستقبل.
فمثل هذا الاتفاق لم يكن ممكناً حدوثه قبل عقدين من الزمان، أي قبل أنطلاق باكورة عمليات انتاج وتصدير الغاز المسال من قطر، كما أنه لم يكن متصوراً حدوثه قبل عقد من الزمان، باعتبار أن استثمارات قطر لدى الصندوق السيادي لم تكن قد نمت قبل عام 2004 بالشكل الذي باتت عليه في السنوات الخمس الأخيرة.
فمع بدء تصدير الغاز القطري المسال للصين، تزايد حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 31 مليار ريال في عام 2012، وشاركت بعض الشركات الصينية في مشروعات تطوير البنية التحتية في قطر منها عقد بقيمة 3,2 مليار ريال لشركة ميناء الصينية الهندسية لتنفيذ أعمال في ميناء الدوحة.
وشاركت قطر للبترول وشركة رويال دوتش شل في إنشاء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في شرق الصين بقيمة 12,6 مليار دولار، كما اشترى صندوق قطر السيادي سندات من البنك الزراعي الصيني بحوالي 6 مليار دولار.
هذا النمو المطرد في العلاقات الاقتصادية بين البلدين مرشح لمزيد من النمو والتطور في السنوات القادمة من عدة جهات منها زيادة واردات الصين من الغاز وزيادة صادرات الصين إلى قطر من البضائع المختلفة المتنوعة، وزيادة مشاركة الصينيين في أعمال الإنشاءات وتطوير البنى التحتية في قطر، إضافة إلى توسع الصندوق السيادي القطري في شراء المزيد من الاستثمارات في الصين ودول آسيا على نحو ما تنبأ بذلك رئيس الصندوق السيادي القطري محمد أحمد السيد.
ومثل هذه التوسع والتشابك في العلاقات الصينية القطرية يستوجب ألا تظل العلاقة في مستقبلها حبيسة لارتباط الريال بالدولار الأمريكي، بحيث أن التحويلات المالية والرأسمالية بين البلدين من اليوان إلى الريال وبالعكس لا بد أن تتم عبر الدولار من خلال الحسابات الوسيطة بالدولار في البنوك لدى الطرفين أو لدى طرف ثالث.
ومن هنا كانت الخطوة التاريخية التي جسدها توقيع مذكرة التفاهم بين مصرف قطر المركزي ونظيره بنك الشعب الصيني من أجل خلق تعاملات مباشرة بين الطرفين وبين العملتين، ليس ذلك فحسب؛ وإنما أيضاً لتكون قطر مركزاً إقليميا لتسوية عملة اليوان الصيني في المنطقة، بإشراف الهيئات الرقابية في البلدين.
على أن للاتفاق جوانب أخرى مهمة، تتعلق بمستقبل سعر صرف الريال،، ففي تقديري أن هكذا اتفاق مع الصين يفتح المجال في المستقبل لتغيير واقع ربط الريال من الدولار فقط- وهو الامر الذي استمر لأكثر من أربعة عقود متواصلة عند سعر صرف 3,65 ريال لكل دولار- إلى سلة من العملات بينها عملة اليوان الصيني.
ففي السنوات العشر الماضية عندما كانت تثار الحاجة إلى ربط الريال بسلة عملات، كانت البدائل المتاحة كلها؛ وهي اليورو والين والفرنك السويسري والجنيه الاسترليني تدور كلها في فلك الدولار ولا تشكل تغييراً حقيقياً في سياسة الربط.
كما أن التطورات التي حدثت منذ عام 2008- أثناء وبعد الأزمة المالية العالمية- قد أثبتت أن اقتصاديات البلدان التي تنتمي إليها هذه العملات ليست بأفضل حال من الاقتصاد الأمريكي.
وأنها باستثناء المانيا واليابان تعاني من ديون عامة ضخمة، في الوقت الذي تتمتع فيه الصين بنمو اقتصادي جيد، وأنها دائنة للاقتصاد الأمريكي بعدة تريليونات من الدولارات.
وعليه فإن تبوأ الاقتصاد الصيني مكانة متقدمة عالمياً وتحقيقه نموا اقتصادياً مستمرا، ووضع الصين الدائن لأكبر اقتصاد في العالم يجعل عملتها قوية بالقدر الكافي كي تكون سنداً لعملات دول أخرى مثل قطر.
وقد يكون للاتفاق جوانب سياسية مهمة في العلاقات الدولية بين البلدين،، حيث يُظهرالاتفاق بوضوح مدى استقلالية قطر في اتخاذ قراراتها التي تخدم مصالحها العليا، وبما يدعم استقرارها وتنميتها المستدامة في الأجل الطويل.
ولكل ما تقدم،،، ستظل الأعين منتبهة ومسلطة في الأجل القريب على كيفية وسرعة تنفيذ هذا الإتفاق ووضعه للتطبيق عملياً في أقرب فرصة ممكنة.