صراع العملات وهيمنة النفوذ

27/05/2024 0
د.صالح السلطان

صراع أو حروب العملات نتيجة تدخل دول لتغيير أسعار صرف عملاتها مقابل عملات دول أخرى. التدخل قد يكون بخفض سعر العملة المحلية؛ أو زيادتها. الخفض غالبا من دول مصدرة على صادراتها منافسة قوية، وتبعا ترغب في جعل صادراتها أرخص سعرا بما يقوي تنافسيتها في التجارة العالمية. وتبعا يزيد من أرباح شركاتها. أما التدخل بالزيادة فالعادة من دول منفردة في بيع سلع مهمة. والزيادة تزيد من دخلها ومكانتها الاقتصادية، لكن الأمور لا تسير على الهوى. فالدول المتأثرة سلبا من الخفض أو الزيادة ستندفع للتصرف بطرق تراها في صف مصالحها، مقللة للأضرار التي تصيبها. ومن جهة أخرى، تمر عديد من العملات بمشكلات عويصة. وبعض المشكلات راجعة إلى طبيعة البنية الاقتصادية، وبعضها راجع إلى أسباب أخرى، على رأسها صراعات على المصالح.

مثلا أعرب حديثا عديد من قادة مجموعة بريكس عن تطلعاتهم إلى استعمال الدولار بصورة أقل في المعاملات الدولية، والبديل عملات بلدانهم. وزادت حدة المشكلات مع تطورات حديثة جلبت أثارا قوية. مشكلات مثل رفع معدلات الفائدة من قبل البنك المركزي الأمريكي الفد، ومثل ما حدث ويحدث بين روسيا وأوكرانيا. صراع فحرب جرت إلى عقوبات غربية على روسيا. ما دفع روسيا إلى تدابير معاكسة لهذه العقوبات، مثل التقليل القوي من استخدام الدولار، معروف هيمنة الدولار في تعاملات التجارة الدولية. أكثر من ثلاثة أرباع معاملات الصرف الدولية وأكثر احتياطيات العملات العالمية تحت سيطرة الدولار عبر السنين. أما اليوان عملة الصين فمكانته عالميا بسيطة جدا مقارنة بمنزلة الدولار، رغم مكانة الصين الكبيرة في الاقتصاد العالمي. وهذه البساطة مصدر من مصادر صراع العملات بين أمريكا والصين.

ما مستقبل هذه الهيمنة للدولار؟ هيمنة في انحدار لكنه انحدار بطيء جدا. حصة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية للدول FX انخفضت إلى أدنى مستوى منذ مطلع هذه الألفية، حسب بيانات صندوق النقد الدولي. ورغم هذا الانخفاض، مازال الدولار مهيمنا على التجارة العالمية، ومتوقع بقوة بقاء هذه الهيمنة خلال السنوات العشر القادمة، صراعات العملات تشبه الصراعات العسكرية من أوجه عديدة. وهذه الصراعات تزيد مع التطورات التجارية والتقنية، لكنها لن تصل إلى حد الحروب المميتة، ومستبعد أن تصل في المستقبل المنظور، أما في البعيد وخاصة البعيد جدا فصعب التنبؤ به، لأسباب على رأسها كون العلاقات الاقتصادية الدولية معقدة.

سعر الصرف هو أداة من الأدوات الاقتصادية التي توظفها الدول في تقوية تنافسيتها إطار التنافس فيما بينها. تتجه التعاملات التجارية بين الدول إلى مزيد من مظاهر المنافسة. وتخطو دول كبيرة خطوات لتقوية مكانتها الاقتصادية التنافسية. ومن الخطوات استخدام أسعار الصرف، زيارة الرئيس الصيني لأمريكا أواخر العام الماضي كانت مجال مناقشات ومفاوضات حول التجارة. لكن العبرة في ترجمة المناقشات إلى أفعال حقيقية.

ما سبق يجر إلى طرح سؤال: هل تنجح الدول في تحقيق أهدافها من تغيير سعر الصرف؟ ليس من المؤكد. ذلك أن هناك عوامل وظروف كثيرة مؤثرة غير أسعار الصرف. مثلا، خفض سعر الصرف قد يسبب خسائر لشركات أجنبية، بما يجعل عملات الدول المخفضة أقل جاذبية للاستثمار.جانب آخر للصراع. خطوات الصين وروسيا مثلا لتأكيد مكانتهما الاقتصادية العالمية وتقوية تنافسيتها ينظر لها في واشنطن والعالم الغربي بصفة عامة على أنها تهديد للهيمنة الغربية. هيمنة تعيدنا إلى وقائع كثيرة. من الوقائع ما عملته أمريكا 2018 بفرض رسوم جمركية. الفرض ظاهريا هو حماية الصناعات الوطنية الأمريكية وعلاج العجز التجاري بينها وبين الصين. هذا العجز يبلغ مئات المليارات من الدولارات. لكن هناك ما هو أبعد من الظاهر. تستهدف أمريكا الحد من نفوذ منافسيها وعلى رأسهم الصين، يحد من سلبيات صراع العملات استخدام طرق وقاية وتقليل من الأضرار للاقتصاد النامي خاصة. من الطرق زيادة الاهتمام في التنويع الاقتصادي، وتحسين كل ما من شأنه زيادة فتح الفرص الاستثمارية.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية