كانت المملكة العربية السعودية قبل اكتشاف النفط دولة فقيرة، بل كانت من أفقر بلدان العالم، ولا يوجد فيها أي مظهر من مظاهر التنمية، وكان السعوديون يهاجرون للخارج؛ لطلب الرزق، ولم تكن هناك أي عملية اقتصادية منظمة، وقد كان الاقتصاد السعودي يعتمد على التجارة الفردية المحدودة مع دول الجوار والصناعات الحرفية البسيطة، وقليل من الزراعة لا تكاد تكفي الحاجة، وكان جزء من الشعب يستوطنون البادية، ويشتغلون بتربية الماشية التي لم تزدهر؛ بسبب قلة المراعي.
وكان أفضل مورد للدولة هو موسم الحج، الذي كان يتأثر بالعوامل السياسية والخارجية. إلا أنه في 4مارس 1938 ميلادي استطاعت شركة ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا الأمريكية (standard oil of California) استخراج أول برميل بترول من الأراضي السعودية، حيث تدفقت أول نقطة زيت من بئر رقم 7 الذي تم حفره بعمق 1441مترا. ومنذ ذلك الوقت بدأت المملكة تعتمد على مورد بترول في تمويل الميزانية.
ومع إقرار أول خطة خمسية عام 1970 ميلادي في عهد جلالة الملك فيصل -رحمه الله- كان الاهتمام الأول تنمية الموارد الاقتصادية البديلة، وايجاد بدائل عن النفط، إلا أن هذه الخطط لم يتم تطبيقها بالشكل المطلوب الصحيح، فما زال النفط إلى الآن المصدر الأول وشبه الوحيد في إيرادات الميزانية، وأثبتت جميع الخطط والاستثمارات السابقة أنها لم تقدم المأمول منها ولم تواكب التطلعات؛ لأن الخطط كانت شبه مبهمة، فلا نعلم كم مصنع نخطط أن نفتتح خلال السنوات الخمس القادمة، أو ما هو مقدار الناتج الصناعي الذي يجب أن نصل إليه، وما هي الخدمات التي يجب أن نقدمها كماً وكيفاً، والدخل المتوقع من هذه الخدمات والمصانع؟
نحن لا نملك أرقاماً لخططنا وأهدافنا؛ حتى يمكن تقليل اعتماد الميزانية على البترول. كما لا توجد خطة بالأرقام، توضح عملية الاستغناء تدريجيا عن دخل البترول، مثل أن نقول إن ميزانية السنوات الخمس القادمة ستعتمد 80% على البترول. والخمس التي تليها 75% على البترول، وهكذا لكي يكون عندنا اقتصاد واضح المعالم وخطط تنمية معروفة يعرفها الجميع ويواكبها.
إن وجود رؤية استراتيجية واضحة بالأرقام والتواريخ سيساعد المستثمر سواء كان محليا أو أجنبيا على معرفة توجهات الدولة، والعمل مع الجهات الرسمية يدا بيد لتحقيق هذا الهدف.
اعتقد بوجهة نظري أن الخطط المتوسطة وبعيدة المدى يجب الافصاح عنها للجميع، والتقيد بها سواء من المواطن أو الجهات الرسمية. إن صرف البتروريال في السنوات القادمة يجب أن يكون له مردود اقتصادي واضح على الميزانيات القادمة؛ لكي لا نأتي بعد عشرين سنة ونقول إن البترول يشكل 90% من إيرادات الدولة.
نقلا عن اليوم