لازلنا في أجواء العيد الذي امتدت إجازته على غير العادة، باندماجها مع عطلة نهاية الأسبوع المعتادة من قبله ومن بعده، فبدت وكأنها إجازة عيد ممتدة لتسعة أيام كاملة.
وفي حين أن القطاع الحكومي قد اعتاد على هكذا إجازات طويلة، فإن الأمر قد بدا غريباً لرجال المال والأعمال الذين تحكمهم إعتبارات الإيرادات في مواجهة التكاليف. والمقصود هنا إجازة البنوك والبورصة التي جرى العرف في السابق ألا تزيد عن ثلاثة أو أربعة أيام.
وفي حين أن الإجازة مطلوبة ومفيدة للموظفين؛ لأداء واجبات العيد من عبادات وشعائر وزيارات، فضلاً عن جانب الترويح عن النفس، فإن امتدادها لتسعة أيام متصلة قد كان له تأثيرات سلبية على قطاع المال والأعمال... وقد تحدث الناس في مجالسهم عن هذه التأثيرات، وخاصة عندما وجدوا أن بورصات أخرى في دول المنطقة قد استأنفت أنشطتها في وقت مبكر يوم الثلاثاء.
وقد رأى البعض أن الاستطالة جاءت وفق القوانين المتبعه، حيث أن إجازة عيد الأضحى مع وقفة عرفات هي أربعة أيام، فإذا بدأت من يوم جمعة-كما هو الحال هذا العام- فإنه يُضاف لها بدل يومي الجمعة والسبت، فنصل إلى الخميس الذي يُعتبر إجازة استثنائية كونه قد انحشر بين إجازتين.
وفي المقابل يرى آخرون أن إجازة الأربعة أيام كانت كافية، مع إمكانية التعويض مالياً للموظفين عن يومي الجمعة والسبت حتى لا يتوقف دولاب العمل بأكثر من اللازم. وقد عزز هذا الفريق وجهة نظره بالمبررات التالية:
1-أن الناس قد عادوا لتوهم من إجازات الصيف السنوية مع بداية أو منتصف سبتمبر الماضي، وهم بذلك في غير حاجة ملحة لإجازات جديدة، خاصة وأنهم قد عادوا منهكين من مصاريف تلك الإجازات بعد أن استوحشت الأسعار في ارتفاعاتها، واستنفذت مدخرات البعض منهم، أو رتبت ديونا على البعض الآخر.
2-أن قطاع البنوك قطاع حيوي للاقتصاد، وفي حين أن شركات القطاع الخاص قد عادت للعمل يومي الثلاثاء أو الأربعاء، فإن غياب البنوك في عطلة ممتدة قد عطل إمكانية قيامها ببعض أنشطتها التي لا تقتصر فقط على إيداع الإيرادات أو صرف الأموال، وإنما تمتد إلى عقد الصفقات، وشراء وبيع الاستثمارات.
وقد ذكر لي مدير أعمال في شركة مقاولات خاصة أن شركته في إجازة إجبارية لأن بعض الشركات التي تتبع الحكومة كالكسارات متوقفة عن العمل. ومعنى ذلك أنه يتحمل دفع معظم المصاريف من رواتب وأجور في غياب أية إيرادات.
3- أن امتداد إجازة البورصة لمدة يومين إضافيين، يقلص إجمالي التداولات بما لا يقل عن 1200 مليون ريال، ويتضاعف الرقم إذا ما نظرنا إليه من زاويتي الشراء والبيع، وهو ما يؤثر على إيرادات البورصة، والوسطاء الماليين بما لا يقل عن 7 مليون ريال.
وتجد الصناديق المحلية التي تدير استثمارات في الأسهم أنها غير منتجة وبالتالي غير قادرة على تحقيق أرباح، في الوقت الذي تظل مصروفاتها ثابتة بدون تغير، وهو ما يقلل من ربحيتها أمام عملائها. ويخسر النشطاء من الأفراد الذين يجنون دخلهم من عمليات المضاربة مبالغ أخرى من جراء توقف البورصة.
4- أنه في الوقت الذي تحرص فيها جهات مسؤولة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، فإن هكذا إجازات طويلة يكون لها تأثير عكسي على أداء البورصة؛ حيث تعمد المحافظ الأجنبية إلى الخروج المؤقت من استثماراتها المحلية بحثاً عن فرص أخرى متاحة في أسواق وبورصات أجنبية تكون غير مقفلة أثناء عطلة العيد.. والمتابع لسلوك تلك المحافظ في بورصة قطر يجد بالفعل أنها قد باعت صافي بما قيمته 364,5 مليون ريال في الأسبوع الذي سبق بدء إجازة العيد.
5-أن المحصلة النهائية لتوقف النشاط كلياً أو جزئياً في إجازة ممتدة، أن يخفض ذلك من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع المال والأعمال، في فترة الربع الثالث من العام، وفي العام 2014 بوجه عام.
ويحدث ذلك في وقت ينخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ نتيجة انخفاض سعر برميل نفط الأوبك إلى 88,27 دولار، أي بنسبة 17% عما كان عليه قبل ثلاثة شهور.
ومع تسليم المؤيدين لإجازة طويلة بوجاهة الأراء المعارضة ومبرراتهم، إلا أن البعض منهم يقدم مبررات أخرى استثنائية لإطالة الإجازة، وهي أن عمليات الإنشاءات الخاصة بالبنية التحتية، وتوسعة الطرق في أماكن عديدة داخل العاصمة الكبرى-الدوحة والريان- وما ينتج عنه من ازدحام مروري غير عادي، قد يستوجب إطالة إجازة العيد لكل القطاعات بما فيها قطاع المال والأعمال، من أجل إعطاء شركات المقاولات المنفذة فسحة من الوقت لإنجاز ما يمكن انجازه بأقل معدل من الإزدحام المروري في الشوارع.
فهل استفادت شركات توسعة الطرق من هذه الفسحة الإضافية من الوقت أم أنها كانت في إجازة ممتدة مع الآخرين؟.