يفاجئني أحياناً أن أرى منتجا في السوق فأبتاعه وأنا مطمئنة إلى انه خضع لرقابة وزارة الصحة عبر مختبراتها ولم ينزل الأسواق إلا بعد موافقة المختصين في الصحة والتجارة، ولكن بعد فترة يختفي من الأسواق بصورة تثير الفضول، وحين اسأل عن السبب لا أحد يعرف، ويكون الجواب المحتمل انه ربما قد نفذ من الأسواق أو أغلقت الشركة المنتجة، فكيف لمنتج مزدهر يزداد الطلب عليه أن تغلق شركته أو ينفذ من الأسواق بهذه السرعة ولا يعود لها مرة أخرى.
هذا الفضول قادني للتعرف على حقائق مذهلة على مستوى استيراد المنتجات الأجنبية الشرقية والغربية، بعد تطبيق النظام الجمركي على الدول الموقعة لاتفاقية التجارة الحرة الثنائية مع أمريكا، إذ كان نظام مراقبة الأغذية أكثر صرامة قبل الاتفاقية، بل وبه اشتراطات أكثر دقة ولكن بعد الاتفاقية تغير الحال، فعلى سبيل المثال لا يمكن لمنتج أن ينزل الأسواق إلا بعد أن ينجح في اجتياز التحليل المختبري، وهناك العديد من الاشتراطات الدقيقة التي تعنى بالصحة العامة، فيستبعد المنتج إذا كشف أنه يحتوي على بعض المواد التي تشكل خطورة.
اليوم، وبكل بساطة يتم دخول المنتج إلى السوق قبل أن تصدر شهادة موافقته للمقاييس المسموحة. والمضحك أن إجراءات التفتيش والمراقبة يُعمل بها بشكل اعتيادي ولكن دون الأخذ بنتائجها فتدخل المنتجات بشكل سلس إلى أسواقنا «بعلاّتها».
ولنفترض أن المنتج «الغذائي أو التجميلي» -وذلك لأنهما الأكثر خطورة على الصحة العامة- تم إدخاله السوق قبل أن يخضع للاختبار الصحي، وتم استهلاكه جزئيا وبعد التحليل جاءت نتيجته انه غير متوافق مع اشتراطات الصحة، كيف سيتم سحب العينات التي انتشرت دون مساءلة في السوق وتم شراؤها من قبل الأفراد؟
وكيف يتم إعلام الفرد أن المنتج الذي سبق وابتاعه خطر عليه؟
ثم ما ذنب المستهلك ليتعرض للخطر؟ هذا إذا افترضنا انه قد تم سحب العينات، وان كانت الاحتمالية هي التهاون وترك المنتج «يسبح» في السوق.
هذا الأمر يفسر لنا كيف ان أسواقنا تتعرض لعمليات الغش وتتفشى فيها حالات التسمم والموت أو التعرض للأمراض والأوبئة التي تنتشر من لحوم فاسدة أو منتجات غذائية قد تكون محرمة «دينيا» أو «صحيا».
وهذا ما حذر منه مجلس الوحدة الاقتصادية العربية حين طالب «بمنع إساءة استخدام الدول المتقدمة لإجراءات مكافحة الدعم والإغراق وإجراءات الوقاية وتدابير الصحة، وغيرها من العوائق الفنية على التجارة والإسراع بالوصول إلى قواعد مبسطة وأكثر شفافية» في الاتفاقيات الحرة.
نقلا عن اليوم