نعم انتصر أهل غزة في حربهم لاستنزاف العدو الإسرائيلي....وقد تجلى انتصارهم على ثلاث جبهات رئيسية لا يتحملها الصهاينة ولم يتعودوا على مثلها...أولها خسائر بشرية ما بين قتيل وجريح وأسير، وثانيها الخسائر المترتبة على التهجير القصري الداخلي عن مدن وقرى حزام غزة، والاختباء في الملاجئ لساعات طوال حتى في مدن الشمال، وثالثها انفضاح نازية إسرائيل في العالم من جراء عدوانها البريري على المدنيين في غزة، وتحول الرأي العام العالمي ضدها.
وتترجم الخسائر على هذه الجبهات إلى تكاليف اقتصادية وأموال، وتضاف إلى التكلفة المباشرة للحملة من استدعاء للاحتياطي، واستهلاك لمخزون الصواريخ والأسلحة وباقي العتاد.
وقد كان ظن إسرائيل- ومن دعمها في هذه الحملة الظالمة- أنها لن تدوم لأكثر من أسبوع أو أسبوعين.
وكان في ظن الجميع أنها لن تزيد عن مليارات قليلة من الشياكل، وأن هذا الرقم يمكن تحمله إذا كانت الغنيمة عظيمة في حجم اقتلاع حماس من جذورها ونزع أسلحة القطاع، وإعادته ذليلا خانعاً مستسلماً.
ولكن رياح غزة جاءت بما لا يشتهي الظالمون..وعندما اقتربت الحملة من نهاية شهرها الثاني أدرك الصهاينة أن خسائرهم في جميع المجالات المباشرة وغير المباشرة قد تعاظمت وتجاوزت عشرات المليارات من الشياكل، دون أن يُظهر المقاومون أي علامة ضعف أو وهن، ودون أن تدب بوادر الخلاف والشقاق في جبهتم الداخلية.
وتوقعت تقديرات نشرتها صحيفة بديعوت أن عجز الموازنة العامة سيقفز إلى 40 مليار شيكل، وأن ذلك سيستدعي إجراءات عاجلة للاقتراض من البنوك أو الاستدانة من دول صديقة .. وبالنظر إلى ما تعانيه الخزينة الأمريكية من ديون ضخمة وعجوزات مزمنة فان طلبات الاستدانة سوف توجه إلى الذين دعموا الحملة وناصروها... فهل هؤلاء مستعدون لتقديم هكذا دعم لحملة فاشلة لم تنجز ما طلبوها منها؟؟
وقد أعطت بديعونوت قائمة بتفاصيل الخسائر الاقتصادية التي أجبرت نتنياهو على وقف الحملة قبل أن تتفاقم الأمور على نحو لا يمكن احتماله، ومن هذا الخسائر ما يلي:
1-الخسائر الأمنية وبلغت 9 مليار شيكل، إضافة إلى 12 مليار شيكل خسائر استدعاء الاحتياطي لأقل من شهرين-فما بالك لو طال استدعاؤهم-.
2-خسائر قطاع الصناعة التي بلغت 1,2 مليار شيكل حتى انتهاء العمليات البرية فقط، حيث انخفض الانتاج بنسبة 60% بسبب عدم قدرة العمال على الحضور، مع تحولهم إلى بطالة مؤقته تستنزف مخصصات دعم العاطلين. كما أن الأثر البعيد المدى على سمعة الصناعات العسكرية وصادراتها سيكون أشد إيلاماً للعدو بعد أن فشلت دباباته أمام بسالة المقاومة ومبتكراتها.
3-انخفاض حجم المشتريات عبر بطاقات الائتمان بنسبة 8% في مناطق الجنوب و 4% في تل أبيب، مع العلم أن حجم المشتريات السنوية باستخدام البطاقات يصل إلى 18 مليار شيكل سنوياً.
4-شهد قطاع العقارات ركوداً كبيراً فلم تشهد مدن الجنوب أي عملية شراء، فيما تراجعت مشتريات سوق السيارات بنسبة 15%.
5-انخفض عمل الفنادق بنسبة 30%، وبنسبة 90% على السواحل، بسبب حدوث انهيار شبه كامل في الموسم السياحي، ومغادرة السياح، وانخفاض عدد القادمين بنسبة 26% عن كل عام. وقد طالبت الفنادق بتعويضات عما لحقها من أضرار.
6-خسارة المنتخب الإسرائيلي لكرة السلة لمبالغ كبيرة من جراء نقل مبارياته في تصفيات بطولة الأمم الأوروبية إلى قبرص.
7-في المجمل، انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإسرائيلي في زمن الحرب البرية إلى 1,2%، وإلى أقل من ذلك بقية الأيام، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض آخر في حصيلة الضرائب.
على أن أي مكاسب يحققها الطرف الفلسطيني المقاوم هي ولاشك خسائر صافية في ميزان العدو، وسنعرض لهذه المكتسبات في مقال آخر، ويكفي أن أشير هنا إلى بعض العناوين ومنها:
اتساع المجال البحري لغزة إلى 12 ميل، وإصرار الفلسطينيين على بناء الميناء وتحديهم لمن يتجرأ على قصفه كما قال الزهار، واضطرار اسرائيل لاحقاً إلى إبرام صفقات لتبادل الأسرى، وموافقتها على فتح المعابر، وتعاطف العالم مع أهل غزة، واستعدادهم لتقديم كافة أشكال المساعدات لإعمار ما تهدم.