أعلنت شركة «أفك» الإسرائيلية اكتشافها كميات تجارية من النفط في الجولان المحتل.
رئيس الشركة هو العميد الاحتياط أيفي أيتام، الذي شغل سابقاً مناصب وزارية مثل البنية التحتية والتعمير والإسكان. وأثارت «أفك» في إسرائيل خوفاً من الآثار البيئية الضارة لأعمالها.
وهي تحاول إثارة الحماسة الوطنية لإمكانية تحقيق الاستقلال الطاقوي لإسرائيل وتحسين الاقتصاد وجعل الدولة «قوة نفطية» في المنطقة.
وهناك أسئلة لا تزال من دون إجابات حول أعمال هذه الشركة، منها، مثلاً، المعلومات حول ضخامة اكتشافها، إذ ادعت أنه سيلبي الاستهلاك المحلي لعقود (270 ألف برميل يومياً).
لكن واضح أن الطاقة الإنتاجية أقل من ذلك بكثير، فهي لن تكاد تكفي لتلبية 2 في المئة تقريباً من الاستهلاك الإسرائيلي، وفق تحليل في نشرة «غلوبز» الاقتصادية الإسرائيلية.
وتوسع أخيراً استغلال الشركات الإسرائيلية للمصادر البترولية للمشرق، ما يدل على تبني سياسة تستهدف الاستفادة من التدهور السياسي في دول المنطقة، وتفتح مجالاً لوضع يد إسرائيل على مصادر الطاقة في فلسطين ولبنان وسورية، بعد قضم تدريجي لمصادر المياه منذ الخمسينات.
وتشمل محاولات الاستيلاء على مصادر الطاقة خطوة جديدة، هي السعي إلى عقود طويلة الأمد (20 - 25 سنة) لبيع الغاز إلى الدول العربية المجاورة الموقعة لمعاهدات سلام مع إسرائيل (مصر والأردن)، بالإضافة إلى عقود مماثلة مع مؤسسات في السلطة الفلسطينية، كي تستطيع إسرائيل التدخل في إقرار الأسعار المحلية للغاز والطاقة الكهربائية في الدول المستوردة، ومن ثم تؤدي دوراً في اقتصاد الصناعات المحلية.
وتشمل هذه المحاولات الآتي:
أولاً: محاولة وضع اليد على جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية اللبنانية. يتضح ان إسرائيل أجرت مسحاً سيزمياً لهذه المنطقة اللبنانية أثناء احتلالها جنوب لبنان خلال النصف الثاني من السبعينات. وهي من ثم على علم بالوعود البترولية للمنطقة.
وفي اتفاق جانبي مع قبرص، يناقض اتفاق الحدود البحرية اللبنانية - القبرصية لعام 2007، استطاعت إسرائيل قضم الحدود البحرية اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى نشوء منطقة متنازع عليها، فلا يستطيع أي من الطرفين الاستكشاف والتنقيب فيها.
ثانياً: منع السلطة الفلسطينية من تطوير حقل «غزة مارين» البحري. عقدت السلطة الفلسطينية في 1999 اتفاقاً مع «بي جي» البريطانية للاستكشاف والإنتاج في بحر غزة كله.
وأنشأت «بي جي» كونسورتيوم بقيادتها مع «اتحاد المقاولين العالمية» في أثينا وصندوق الاستثمار الفلسطيني. واكتشفت «بي جي» حقل «غزة مارين» في 2000.
إلا ان إسرائيل عرقلت تطوير الحقل طوال السنوات الـ 15 الماضية. وادعت ان تطوير الحقل غير ممكن لأن جزءاً منه يمتد إلى المياه الإسرائيلية، وهذه حجة فارغة، إذ ان عشرات الحقول في العالم تمتد بين الدول، وهناك اتفاقات معروفة ومجربة تنظم تقاسم الإنتاج حسب حجم الاحتياط في كل منطقة.
وادعت إسرائيل، بعدما سمحت رسمياً للشركة الاستكشاف، أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع منح رخص استكشاف للثروة الطبيعية في أراضيها، على رغم النصوص الصريحة لاتفاقات أوسلو في هذا الشأن.
وفرضت إسرائيل شروطاً تعجيزية، منها نقل الغاز عبر ميناء عسقلان ومنه إلى غزة، لكن بعدما تأخذ شركة الكهرباء الإسرائيلية ما تحتاجه من إمدادات وبسعر بخس، يقل عن الأسعار الأوروبية وكلفة الإنتاج.
والسبب الحقيقي لهذه العراقيل هو منع الاستقلال الطاقوي للفلسطينيين وعدم السماح لـ «حماس» باستلام الريع الغازي.
ورفضت السلطة الفلسطينية والكونسورتيوم المطالب الإسرائيلية، فلجأت إسرائيل إلى فرض حصار بحري على غزة لمنع تطوير الحقل. تبلغ احتياطات الحقل نحو 1.4 تريليون قدم مكعبة. وتفاوض السلطة الفلسطينية الدول المعنية لفك الحصار عن الحقل، كي تزود بالغاز محطة كهرباء غزة ومحطة جنين التي لا تزال قيد الإنشاء في الضفة الغربية، والمساهمة في تزويد الأردن بالغاز.
ولم تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة ايجابية حتى الآن.
ثالثاً: بادرت الشركات الإسرائيلية منذ 1992 إلى التنقيب عن النفط في المناطق الفلسطينية البرية المحتلة عام 1967، خصوصاً في الضفة الغربية.
واكتشفت شركة «جيفوت أولام» قبل سنتين حقل «مجد» باحتياط نفطي يبلغ 1.5 بليون برميل واحتياط غازي يساوي 182 بليون قدم مكعبة. ويقع الحقل في محيط رنتيس قرب رام الله.
وتمنع إسرائيل الفلسطينيين من استغلال مواردهم بمضايقات قانونية وتحويل المناطق المعنية إلى عسكرية لا يجوز العمل فيها.
رابعاً: حصلت «أفك» على حقوق الاكتشاف والإنتاج في جنوب الجولان في قطعة مساحتها 395 كيلومتراً مربعاً في منطقة نهر العال - كيبوتز موشاف ناتر.
وبدأ الحفر في أوائل 2014. وحُفرت ثلاثة آبار استكشافية بعمق 3000 متر، ولم تُحفَر آبار تقويمية. وستكون تكاليف الإنتاج مرتفعة لأنها ستتطلب ضغطاً وتكسيراً للصخور كما في استخراج النفط الصخري.
ومن السابق لأوانه التكهن بطاقة الحقل، بانتظار نتائج الآبار التقويمية وتحديد طرق الإنتاج.
خامساً: هناك محاولات إسرائيلية مستمرة لتزويد كل من الأردن ومصر وشركة الكهرباء الفلسطينية بالغاز.
ووُقِّعت الاتفاقات ومذكرات التفاهم اللازمة خلال 2013 و2014. لكن اثر قرار من هيئة مكافحة الاحتكارات في إسرائيل قبل أشهر، حدثت فوضى في صناعة الغاز الإسرائيلية، قرر على أثرها كونسورتيوم تقوده «نوبل إنرجي» الأميركية ويضم «ديليك» الإسرائيلية، كان اكتشف حقول الغاز في المياه الإسرائيلية، وقف الإنتاج من حقل «تامار» للسوق الداخلية، ووقف تطوير حقل «ليفاياثان»، عماد القطاع.
وتزامن ذلك مع معارضة شعبية وبرلمانية في الأردن ومصر لاستيراد الغاز الإسرائيلي، بالترافق مع مفاوضات مصرية مع شركات روسية وجزائرية وقبرصية وحتى إسرائيلية لاستيراده.
وانتهى الأردن خلال هذه الفترة من مفاوضات مع «شل» لاستيراد غاز قطري مسال.
ومما فوت الفرصة على إسرائيل كان اكتشاف حقل «شروق» المصري أواخر آب (أغسطس). فمصر ستكتفي ذاتياً بالإمدادات من «شروق» وحقولها المنتجة الأخرى، خصوصاً بعد الانتهاء من تطوير «شروق» نهاية هذا العقد.
كما ان عقد «شل» مع الأردن أمّن كمية مهمة من الغاز للسوق الأردنية المحلية. لكن إسرائيل لا تزال تحاول التغلغل في الأسواق العربية المجاورة، إما من خلال الضغوط السياسية المدعومة من الولايات المتحدة أو بالإغراء السعري.
نقلا عن الحياة