استعرض وزير المال في الكويت أنس الصالح موازنة الدولة للسنة المالية 2014 - 2015 أمام مجلس الأمة في الجلسة الأخيرة من دور الانعقاد الماضي يوم 3 تموز (يوليو).
ومع الإقرار بأن لا بد من المصادقة على الموازنة قبل انتهاء الدور، فإن ما حدث وأصبح تقليداً إن الموازنة تُقَر من دون مناقشات مفيدة، على رغم ان الموازنات تُناقَش وربما تُعدَّل من لجنة متخصصة في المجلس.
والمهم في عرض الصالح كان تحذيراته في شأن نمو الإنفاق العام والاستمرار في الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر أساس لإيرادات الخزينة العامة، إلى جانب تنبيهاته إلى التطورات المحتملة في اقتصادات الطاقة في ضوء الزيادة المحتملة لإنتاج النفط والغاز الصخريَّين بما يمثل تحدياً مهماً للنفوط التقليدية.
وأشار الوزير إلى تحسن استخدام الطاقة وترشيدها في البلدان المستهلكة الرئيسة بما قد يؤدي إلى تراجع مستويات الطلب على النفط المستورد.
وعلى رغم ما أشار إليه الوزير لم تتمكن الحكومة الكويتية من اعتماد سياسات مالية تفعل ترشيد الإنفاق وتحد من نموه، خصوصاً الإنفاق الجاري. فالإنفاق قُدِّر بنحو 21.7 بليون دينار (78 بليون دولار)، بزيادة ثلاثة في المئة عن الإنفاق في الموازنة السابقة.
ويؤشر هذا النمو المعتدل في مخصصات الإنفاق إلى ان الحكومة بدأت تتخذ تدابير للحد من التوسع في الإنفاق. لكن مخصصات الباب الأول (الرواتب والأجور وملحقاتها) تظل أساسية ومرتفعة إذ بلغت 5.6 بليون دينار أو 26 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهي زادت 7.5 في المئة عن مستواها في الموازنة السابقة.
لكن مخصصات الرواتب والأجور لا تقتصر على ما يرد فقط في الباب الأول فالباب الخامس يشمل الرواتب والأجور للعسكريين وما يُصرَف للموازنات المستقلة للهيئات الحكومية المتنوعة، ومن ضمن ذلك ما يخصص لرواتب العاملين وأجورهم.
ويشمل الباب الخامس مخصصات الدعم بأنواعه للغذاء والوقود والصناعة والزراعة وغير ذلك. وخصص للباب الخامس 10.1 بليون دينار في الموازنة يمثل 48 في المئة من إجمالي قيمتها.
وهكذا يشكل البابان الأول والخامس 74 في المئة من مخصصات الإنفاق في الموازنة، وهي نفقات غير مثمرة، أي لا تحقق عائدات في المدى القريب أو البعيد.
أما الإنفاق الرأسمالي فخصص له في الباب الرابع 1.8 بليون دينار بتراجع 20 في المئة عن مستواه في موازنة 2013 - 2014، ما يؤكد عجز الحكومة عن إنجاز المشاريع المعتمدة في الخطة التنموية وتراجع القدرات التنفيذية.
وربما يمثل هذا التوجه إقراراً واقعياً بالإمكانات المحدودة لإنجاز المشاريع وتحقيق التراكم الرأسمالي وكذلك إقراراً بالقدرات الاستيعابية للاقتصاد الوطني.
حاول عدد من الوزراء منذ الثمانينات تفعيل أدوات الموازنة وجعلها أكثر توافقاً مع الأهداف التنموية، خصوصاً بما يعزز تنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد إلا ان تلك المحاولات لم تحقق نجاحات تذكر.
يضاف إلى ذلك ان من أهم أسباب تعطيل آليات الإنفاق الرأسمالي هي تلك المتعلقة بالإدارة الحكومية وطريقة اتخاذ القرارات في شأن المشاريع وترسيتها على الجهات التنفيذية مثل المقاولين أو المتعهدين. ويقر المسؤولون بمصاعب في عملية اتخاذ القرار لدى الأجهزة الحكومية.
أما في جانب الإيرادات فلا تزال الحكومة تعتمد سعراً للنفط يقل كثيراً عن السعر المتداول في الأسواق، ولذلك عند اعتماد الموازنة يظهر عجز دفتري. وبناء على ما ورد في تقرير وزير المال تظهر الموازنة ان الإيرادات المتوقعة ستكون 20 بليون دينار بزيادة بليوني دينار عن 2013 - 2014 أي بنسبة 10.9 في المئة.
في هذه الموازنة تبلغ الإيرادات المتوقعة من النفط 18.8 بليون دينار، أي 94 في المئة من الإيرادات الإجمالية.
أما الإيرادات غير النفطية فتساوي 1.2 بليون دينار أو ستة في المئة من إجمالي الإيرادات. لكن الإيرادات النفطية لا بد من ان تكون أكبر مما هو مقدر في الموازنة إذ يمكن ان تفوق 30 بليون دينار بما يمكن من تحقيق فائض يزيد على 10 بلايين دينار، وليس عجزاً بـ 1.7 بليون دينار.
بيد ان المهم في مسألة الموازنة هو كيفية السيطرة على الإنفاق والحد من نموه. وذكر وزير المال ان الموازنة ارتفعت من 3.2 بليون دينار في السنة المالية 2000 - 2001 إلى 21.7 بليون دينار في السنة المالية الحالية أي بأكثر من ستة أضعاف.
والزيادة المضطردة في أبواب الإنفاق الجاري، خصوصاً ما يتعلق بالرواتب والأجور والأعباء الاجتماعية والدعم السلعي ودعم الوقود، هي السبب الأساسي في ارتفاع قيمة مخصصات الإنفاق الحكومي.
لن تتمكن الكويت من الحد من مخصصات الرواتب والأجور من دون معالجة فلسفة توظيف المواطنين المتدفقين إلى سوق العمل، والذين لن يقل عددهم خلال السنوات القادمة عن 20 ألف شخص سنوياً.
وما لم تتبع الدولة سياسات اقتصادية تؤكد أهمية قيام القطاع الخاص بدوره في توفير الوظائف، سيستمر أسلوب التوظيف في القطاع الحكومي والقطاع العام حتى لو أدى إلى زيادة أعداد المنتسبين إلى البطالة المقنعة في القطاع الحكومي.
ولا يمكن ان يكون القطاع الخاص قادراً على التوظيف وعلى نطاق واسع لليد العاملة الوطنية ما لم تتَّخذ إجراءات لتحويل العديد من الأعمال الأساسية المملوكة من الدولة إلى القطاع الخاص، ومن ذلك قطاع المرافق والخدمات الأساسية وعدد من النشاطات في القطاع النفطي.
ولا بد من إتباع سياسات جديدة في شأن الدعم فلا يُعقَل بيع الكهرباء والمياه بأسعار زهيدة لا تمثل حتى 10 في المئة من كلفة الإنتاج، وكذلك الحال في شأن بيع البنزين والمشتقات النفطية بأسعار متهاودة.
نقلا عن الحياة