هل يمكن التحرر من التزامات الدعم في الدول التي تبنّت سياسات الرعاية أو الريع، مثل دول الخليج العربية المنتجة للنفط أو دول أخرى عربية غير نفطية مثل مصر؟ تكرّست هذه الالتزامات في دول كثيرة، وأصبحت بمثابة حقوق مكتسبة للمواطنين يكون التراجع عنها، أو حتى ترشيدها، مساوياً للتجاوز على الحقوق المشروعة للمنتفعين منها. لكن هذه السياسات المكلفة والتي تعني تخصيص أموال تقدر بعشرات بلايين الدولارات، لا يمكن استمرارها من دون تحقيق عجز كبير في الموازنات الحكومية، ونظراً إلى تراجع الإيرادات الحكومية فهي ستحدث ارتفاعاً في قيمة الدين العام نتيجة للاقتراض وإصدار أذونات سندات الدَين. ومعلوم أن الدعم يشمل الكثير من البنود الأساسية، وربما غير الأساسية، وذلك يتفاوت بين الدول. ويمكن الزعم أن كل الدول التي توفر الدعم تضمنه دعم الوقود والمواد الغذائية الرئيسية وربما السكن. كما أن بلدان الخليج توسعت في الدعم وشمل العكثير من الخدمات بما في ذلك الترفيهية. والكويت وفرت دعماً للوقود واستهلاك الكهرباء والمياه، إضافة إلى قائمة من السلع الغذائية الرئيسية والسكن الخاص بالمواطنين، يمكن أن يشمل توفير الأراضي الزراعية والخاصة بالمواشي، ومواقع الشاليهات الخاصة بالاستراحات على الشواطىء. كذلك هناك دعم العلف الحيواني والصناعات التحويلية وأشكال أخرى من الدعم.
وأصدرت بعثة صندوق النقد الدولي في الكويت، وبعد استقصاء مكتبي وميداني في البلاد خلال الفترة من 31 تشرين الأول (أكتوبر) وحتى 13 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الجاري، تقريراً مهماً ومفصلاً بشأن الدعم، أشار إلى أن فاتورة الدعم باتت متضخمة لدرجة غير مقبولة فنياً ولا يمكن استدامتها. وتقدر فاتورة الدعم الإجمالية في الموازنة بما يقارب 6 بلايين دينار أو نحو 20 بليون دولار، أو ما يربو على 30 في المئة من القيمة الإجمالية للموازنة. وأوصت بعثة صندوق النقد الدولي بترشيد الدعم من ضمن إصلاحات مالية واسعة النطاق. وأعطى التقرير أهمية لترشيد دعم المشتقات النفطية وإعادة تسعير الخدمات الحكومية مثل الكهرباء والمياه. كما أوصت البعثة بترشيد دعم العلاج في الخارج والذي أصبحت فاتورته مرتفعة بموجب المقاييس بعد أن خضع العلاج في المستشفيات الخارجية لمعايير سياسية خلال السنوات الماضية، وبات يطلق عليه في الكويت بالعلاج السياحي. وأفاد التقرير بأن فاتورة الدعم والتحويلات «ضخمة» وتكاليفها مرتفعة بما يؤدي إلى المبالغة في الاستهلاك والتخصيص غير الكفوء». ونبهت بعثة الصندوق من أن الدعم قد يفيد الميسورين أكثر من المحتاجين الحقيقيين.
فهل يمكن أن تتبنى الدولة، من خلال مجلس الوزراء ومجلس الأمة، فلسفة اقتصادية مختلفة وسياسات مالية أكثر حصافة بعد هذه السنوات الطويلة من الإنفاق الجزيل والدعومات المكلفة؟ لا شك أن هناك محاذير سياسية حيث أن المجتمع السياسي في الكويت يعتمد على الشعبوية وشراء الود السياسي ولا توجد منظمات سياسية تتبنى فلسفة إصلاحية واضحة المعالم. كما يتردد مجلس الوزراء في اتخاذ سياسات مالية رشيدة تمكن من السيطرة على الإنفاق العام، بما يشمل الدعم.
ويمكن أن يذكر المرء أن الحكومة قررت خلال العامين الماضيين اتخاذ قرارات معقولة مثل رفع أسعار الوقود، كالبنزين، كما تم إنجاز قانون في مجلس الأمة لرفع رسوم الكهرباء والماء في قطاعات عدة مثل السكن الاستثماري ومباني المكاتب والمصانع والمزارع والشاليهات والمباني الحكومية، لكن ظل السكن الخاص بالمواطنين الكويتيين خارج إطار الترشيد، إذ يمثل 40 في المئة من استهلاك الكهرباء وما يقارب 43 في المئة من استهلاك المياه. وهناك أيضاً، معارضات لتلك القرارات والتشريعات من قبل أعضاء في مجلس الأمة الحالي.
بيد أن المسألة لم تعد قابلة للتأجيل بعد أن أصبح على الحكومة الاقتراض لتمويل عجز الموازنة بعد تراجع أسعار النفط، ولذلك على مجلس الوزراء المضي قدماً في الترشيد، خصوصاً ترشيد الدعم، من أجل تفادي ارتفاع الدَين العام.
نقلا عن الحياة