أعلنت السعودية، الأسبوع الماضي، الموازنة المتوقعة للعام المقبل، ومن الصعب التوقف عند جميع محطات الموازنة، لكني سأتحدث عمّا لفت انتباهي في الموازنة، فقد استرعاني الارتفاع الطفيف في موازنة الدفاع، والبعض سيقول لماذا نرفع موازنة الدفاع؟ ولم نرفع موازنة التعليم مثلاً، سأحاول أن أجيبكم على هذا التساؤل، أولاً، يعرف المتابعون التحديات الأمنية التي تواجه منطقتنا، ثانياً، في العلاقات الدولية هناك ما يعرف بنظرية الردع، فإذا عرف الطامع بكيانك أنك عاجز عن الردع فسيتجرأ عليك، أما إذا عرف أنك قادر على ردعه فإنه سيتجنب المواجهة، ولو كانت الولايات المتحدة الأميركية تعرف أن لدى اليابان قنابل نووية لما ألقت قنابلها على هيروشيما ونجازاكي، وأثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وأثناء أزمة خليج الخنازير هددت الولايات المتحدة بضرب موسكو بالصواريخ، فكان رد الاتحاد السوفياتي إذا عادت الصواريخ فلن تجد قواعدها - بالطبع من المعروف أن الصواريخ لا تعود - ولكنه كناية عن قوة الردع، وهو ما أجبر الطرفين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات وإنهاء المشكلة بالتفاوض.
ثالثاً، وهو المهم أنه إذا لم يكن لديك قوة ردع فإنك لن تستطيع أن تحافظ على مكتسباتك، سواء كان هذا المكتسب أمن مواطنيك أو ازدهار اقتصادك أو تجنيبك بلادك ويلات الحرب، فبقوة الردع تستطيع أن تحمي بلدك ومنجزاتك، ثم نأتي لعجز الموازنة، وقد كفاني معالي وزير المالية محمد الجدعان مؤنة الشرح، فقد ذكر أن السعودية أمام خيارين، إما أن تؤخر مشروعاتها، أو تقترض، لإنهاء هذه المشروعات في الوقت المحدد لمواجهة الاستحقاقات المقبلة للسعودية، على رأسها استضافة كأس العالم، و«معرض إكسبو» وغيرها من الفعاليات، لذلك اختارت السعودية الاقتراض بدلاً من تأخير المشروعات؛ وقد يتبادر إلى الذهن، خصوصاً من قبل الاقتصاديين، سؤال مهم وهو كيف تقترض السعودية في ظل فائدة مرتفعة؟ وهو ما يحملها أعباءً مالية، لكن وزير المالية ذكر أن 90 في المائة من هذه الديون تمت وفق فائدة ثابتة، ثم استطرد أنه تم سداد جزء من الديون قبل أوقات استحقاقها، واستنتج أن إدارة الدين في السعودية قد سددت جزءاً كبيراً من الديون ذات الفائدة المتحركة تجنباً للأعباء المترتبة على الدين، وكنت أتمنى على الوزير لو أوضح ذلك.
ثم نأتي لتوقع وزير الاقتصاد الذي توقع نمو الناتج غير النفطي بنحو 6 في المائة، وهو أمر يطلبه الجميع، في الجانب الآخر أوضح معالي وزير النقل المهندس صالح الجاسر التطور الهائل في جميع وسائل النقل الجوية والبرية والبحرية إلى جانب المناطق اللوجستية التي تعدُّ إضافة للاقتصاد، نحن نسير على الطريق الصحيح، وأذكر أنني قلت في لقاء تلفزيوني بعد إطلاق الرؤية، وفي إجابة على سؤال المقدم، إننا سنرى معالم الرؤية واضحة في 2025 ميلادية، وبعد اللقاء وصفني بعض زملائي الاقتصاديين بأنني متفائل بحكم وجود عقبات على الأرض أثناء التنفيذ، ومعهم حق لكني أوضحت لهم أن تفاؤلي مبني على معطيين، وجود خطة، ومحاسبة، وها نحن الآن نرى معالم الرؤية واضحة، وأتمنى أن أصيب في توقعي. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط