قرارات حاسمة لإنقاذ الاقتصاد المصري

08/07/2014 1
د.عبد العزيز حمد العويشق

تبدو الحكومة المصرية الجديدة مصممة على اتخاذ القرارات الصعبة لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي أوشك على الانهيار، بما في ذلك الوعود التي قطعتها لتخفيض الدعم الحكومي الذي يستنفد ربع الميزانية الحكومية.

فابتداء من يوم السبت (5 يوليو) ارتفعت أسعار الوقود بنسب تتراوح بين (40) إلى (78) بالمئة، وكانت أسعار الكهرباء قد ارتفعت قبل ذلك اعتبارا من بداية الشهر.

وتعتبر الحاجة إلى تخفيض عجز الميزانية الذي بلغ مستويات خطرة السبب الرئيس لهذه الخطوات، حيث من المتوقع أن توفر ستة مليارات دولار، أو ما يعادل خمسة بالمئة من ميزانية الدولة، وتلغي نصف العجز فيها.

ووفقاً للإعلان الرسمي، قفز سعر البنزيل العادي من نحو (46) هللة إلى (83) هللة، والبنزين الممتاز من نحو ريال إلى ريال ونصف، والديزل من (57) هللة إلى (94) هللة.

ومع ذلك، تظل الأسعار الجديدة أقل من الأسعار العالمية بكثير، حيث يتجاوز متوسط سعر ليتر البنزين عالمياً خمسة ريالات، ويصل في بعض الدول إلى ضعف ذلك. 

ومع أن الحكومات المصرية السابقة عانت من معضلة الدعم الحكومي إلا أنها لم تستطع اتخاذ الإجراءات الضرورية لخفضه، مما أدى إلى تدهور مستمر في ميزانية الحكومة، وخلافات حادة مع صندوق النقد الدولي، حيث جعل الصندوق من الإصلاح المالي، بما في ذلك إعانة المشتقات النفطية، أولويةً وشرطاً لتلقي مصر قروض الصندوق.

وتشكل إعانات الطاقة، المباشرة وغير المباشرة، تحديا دوليا، ولكنها أكثر شيوعا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي الدول المصدرة للبترول، تباع المشتقات النفطية والغاز محليا بأسعار أقل بكثير من السعر العالمي، وهي ليست "إعانة" بالمعنى القانوني، ولكن الفرق بين السعر المحلي والسعر العالمي له من الناحية الاقتصادية نفس تأثير الإعانات.

وتبلغ إعانات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو نصف إجمالي إعانات الطاقة في العالم. ومع أنها توفر بعض الدعم للمستهلكين الفقراء، إلا أن معظم فوائدها تذهب للأغنياء، الذين يستهلكون نسبة أعلى من الطاقة.

وتستنزف الإعانات ميزانية الدول، بنسب تتجاوز (20%) من إجمالي دخلها، وتحد من قدرتها على الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية.

وفوق ذلك، يدفع انخفاض أسعار الطاقة إلى الإسراف والهدر في استخدامها، ويُحبط الجهود المبذولة لحماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

ولهذه الأسباب فإن إصلاح نظام الإعانات يمكن أن يكون له مردود كبير على معدلات النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ولكن الإصلاح في هذا المجال صعب لأسباب سياسية واجتماعية.

وتستهوي نظم الإعانة التي تكون على شكل مشتقات نفطية منخفضة السعر البيروقراطيين لأنها سهلة التطبيق، مقارنة ببرامج أكثر دقة، تكون موجهةً لمحدودي الدخل، مثل الدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة، وتعزيز برامج الضمان الاجتماعي، أو تصميم برامج موجهة لمساعدة الصناعات الناشئة والقطاعات الإستراتيجية.

ولكن نظم إعانة الطاقة للجميع مكلفة ولا تحقق الغرض المعلن منها. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبلغ تكلفة تلك الإعانة نحو (250) مليار دولار، حينما نحسب الفرق بين السعر المحلي والسعر العالمي للطاقة. ويعادل ذلك نحو (20) بالمئة من دخل الحكومات، و(8) بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتبلغ تكلفة إعانة الطاقة أضعاف الأنواع الأخرى من الإعانة، فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة إعانات المواد الغذائية نحو (20) مليار دولار، أو (8) بالمئة من تكلفة إعانة الطاقة. 

وبالإضافة إلى التكلفة العالية، تؤدي إعانة الطاقة إلى تشوهات اقتصادية كبيرة، وهو أمر بالغ الأهمية حتى في الدول الغنية المصدرة للطاقة التي قد لا تقلقها تكلفة تلك الإعانة.

ومن هذه التشوهات أن إعانة الطاقة، على عكس ما هو مقصود منها، تزيد من معدلات عدم المساواة الاقتصادية. فقد أظهرت دراسة دولية عن السودان أن أفقر 20 بالمئة من السكان يتلقون ما نسبته (3) بالمئة فقط من إجمالي إعانة الطاقة، في حين يحصل أغنى (20) بالمئة من السكان على أكثر من (50) بالمئة من الإعانة. وتتكرر الظاهرة نفسها في كثير من دول المنطقة.

ثم هناك الأضرار البيئية التي تنتج عن إعانة الطاقة، حيث تشجع الأسعار المنخفضة على الإسراف والهدر في استخدامها، وتحد من الاستثمار في تدابير كفاءة الطاقة وفي النقل العام والطاقات المتجددة. وهي بذلك تُحبط الجهودَ الحكومية والخاصة الراميةَ إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وحماية البيئة، وتخفيض التلوث.

ومع ذلك، فقد اعترض البعض على تخفيض دعم الطاقة في مصر لاعتبارات اجتماعية، ذلك أن نحو نصف سكان مصر البالغ عددهم نحو (90) مليوناً يعيشون تحت خط الفقر، أي على نحو دولارين في اليوم، مما يعني أنهم سيتأثرون سلباً برفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء.

ولكن في الحقيقة أن التوفير الذي سيتحقق من تخفيض الدعم للمشتقات النفطية يمكن أن يستخدم، ولو جزئياً، لتقديم مساعدات نقدية للأسر الفقيرة، مما سيعوضها عن الارتفاع في تكلفة الوقود.

وبذلك فلن يؤدي إصلاح نظام الإعانات إلى زيادة نسبة الفقر، بل سيدعم النمو الاقتصادي، ويحسن من معدلات المساواة. حيث يمكن إعادة توزيع الموارد المالية للدولة لزيادة الإنفاق على الأنشطة المنتجة وبالتالي رفع معدلات النمو الاقتصادي والتوظيف، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والضمان الاجتماعي.

وكما أشرت في صدر المقال، فإن تخفيض دعم المشتقات النفطية في مصر سيؤدي إلى تخفيض عجز الميزانية بنحو النصف، وبالتالي تعزيز المكانة المالية للدولة، وهذا بدوره يؤدي إلى تخفيض تكلفة الإقراض، ويحفز استثمارات القطاع الخاص.

وكما رأينا في دول أخرى خفضت الدعم عن المشتقات النفطية، فإن تخفيضه أدى إلى تحفيز الاستثمار في تقنيات توفير الطاقة، والمواصلات العامة، فضلا عن الفوائد الصحية الناجمة عن تخفيض التلوث والازدحام المروري.

وبعد نجاح تجربة مصر، من المتوقع أن تحذو حذوها دول المنطقة التي تواجه أزمات مالية مشابهة، مثل اليمن والسودان.

نقلا عن الوطن