أصبح الانخفاض الحاد في أسعار النفط بنحو 60% خلال السنة الماضية، وتوقعات استمراره في المستقبل المنظور؛ الشغل الشاغل للدول النفطية، ولكن الحلول والرؤى متباينة.
منذ نحو أسبوعين (27 أكتوبر) خاطب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، مجلس الأمة قائلاً إن "انخفاض أسعار النفط عالمياً أدى إلى تراجع في إيرادات الدولة بنحو 60%، في حين استمر الإنفاق العام على حاله بدون أي تخفيض يتناسب مع انخفاض سعر النفط، وهذا ولد عجزاً في ميزانية الدولة يثقل كاهلها ويحد من طموحاتنا التنموية." ولذلك، دعا إلى "المسارعة إلى مباشرة إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي وإنجاز أهدافه في ترشيد وتخفيض الإنفاق العام، والتصدي على نحو فعال لمظاهر الفساد وأسبابه ومعالجة الاختلالات التي تشوب اقتصادنا الوطني".
ونبه الشيخ صباح إلى أن التأخير في إيجاد الحلول الآن يعني أن الإصلاح سيكون أعلى كلفة في المستقبل. وطلب "أن يكون كل من المجلس والحكومة القدوة الحسنة والأخذ بزمام المبادرة في تجسيد الانضباط والالتزام بهذه الإصلاحات وبرامجها الزمنية، منتهزين هذه الفرصة لتصحيح مسارنا الاقتصادي ساعين إلى البحث عن مصادر أخرى للدخل تعزز قدراتنا وإمكانياتنا". ودعا الشيخ صباح "كل مواطن إلى إدراك أهمية وجدوى تلك الإصلاحات وتفهم تدابير الإصلاح وتبعاته والتعامل المسؤول مع متطلباته ومقومات نجاحه، مؤكدين الحرص الدائم على عدم المساس بأسباب العيش الكريم للمواطنين أو دخل الفئات المحتاجة وتجنب المساس بصندوق الأجيال القادمة".
وعن النقطة الأخيرة، كان وزير المالية الكويتي قد أوضح أن الكويت لن تستخدم صندوق الأجيال القادمة لتمويل عجز ميزانية العام المالي الحالي، قائلاً إن "احتياطي الأجيال القادمة يمثل التزاما أخلاقيا وموضوعيا على الجيل الحاضر، والأجيال المستفيدة من وجود الثروة النفطية، ولا ينبغي التنصل من هذا الالتزام سواء حقق الحساب الختامي للدولة فائضا أم عجزا". وبدلاً من ذلك، تدرس الحكومة الكويتية إصدار سندات من بين عدة خيارات.
وواضح أن الشيخ صباح لم ير أن الحل يكمن فقط في تقليص الإنفاق، بل في "استكمال جهود الإصلاح الاقتصادي" وذكر بعض ملامح ذلك الإصلاح، الذي يشكل تخفيض الإنفاق جزءاً يسيراً منه.
ولكن الاقتصاديين أكثر حدة في أطروحاتهم، ففي يوم السبت الماضي (7 نوفمبر) اجتمع عدد من الاقتصاديين والوزراء السابقين في الدوحة لدراسة "تداعيات انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة"، ولم يكن هناك متفائلون كثيرون، بل تفاوتوا في درجات التشاؤم فحسبُ.
بدءاً من التقديرات بأن تبلغ خسائر دول الأوبك (436) مليار دولار في 2015، مقارنة بـ(78) مليار في 2014، والحقيقة البديهية أن الإيرادات الحكومية محكومة بتقلبات أسعار النفط لأن دخل النفط يمثل نحو 90% من إجمالي تلك الإيرادات في معظم الدول النفطية. وبدون تنويع مصادر التمويل الحكومي، فإن دخل الحكومة عُرضة للتقلبات في أسعار النفط.
ومن الصعب -إن لم يكن من المستحيل- التنبؤ بأي درجة من الدقة عن مستقبل تلك الأسعار، فهي لا تعتمد فقط على توقعات الطلب على النفط وصحة الاقتصاد العالمي، وهما أمران في مهب الريح هذه الأيام بسبب تباطؤ وتيرة الانتعاش الاقتصادي وانخفاض الطلب على صادرات الصين، مما أدى إلى تباطؤ نمو اقتصادها، وبالتالي انخفاض وارداتها النفطية.
ولكن هذا ليس كل شيء في تحديد توقعات أسعار النفط، لأن هناك عوامل أخرى لا تقل تأثيراً، لعل أهمها اثنان: سرعة تطوير بدائل للبترول التقليدي، خاصة ما يسمى بالنفط الصخري والنفط الرملي، والثاني تأثير الأحداث السياسية في مناطق إنتاج النفط وتصديره وطرق إمداده.
وتوقع معظم المشاركين استمرار انخفاض الأسعار، في ظل إصرار أعضاء أوبك على المحافظة على حصصهم السوقية، ما يعني استمرار معدلات الإنتاج المرتفعة وانخفاض الأسعار، في المواجهة الكبرى بين منتجي النفط التقليدي والنفط الصخري، وبين منتجي أوبك والمنتجين خارجها.
ودافع وزير الطاقة والصناعة القطري السابق عبدالله حمد العطية عن قرار أوبك بعدم خفض إنتاجها، للحفاظ على حصصها في السوق، بأن المنتجين من خارج المنظمة يرفضون التنسيق مع أوبك فيما يتعلق بالإنتاج، وليس من المقبول أن تدفع أوبك الثمن لـ"ضمان توازن السوق وحدها من دون مساهمة المنتجين من خارج المنظمة".
ورأى الكثيرون في هذا الاجتماع أن محاولات التحكم في تقلبات سوق النفط ليست ممكنة دائماً، ولكن ما هو ممكن؛ التقليل التدريجي من الاعتماد الحالي على إيرادات النفط، وتطوير موارد بديلة لميزانية الحكومة، وإلى أن يتم ذلك، رأى معظمهم أن تقليص الإنفاق وتأجيل المشاريع هما الخياران الأساسيان.
والمشكلة في أطروحات هؤلاء الاقتصاديين؛ النظرة الآنية التي تدعو حقاً إلى التشاؤم، خاصة في الدول التي لم تحتفظ باحتياطيات تمكنها من استمرار عجلة النمو إلى أن يتم تطوير بدائل لدخل البترول.
ولكن تلك الحلول مضرة بالاقتصاد وبالمواطن، ففي الدول الخليجية التي استطاعت الاحتفاظ بوفورات كبيرة، ثمة خيارات كثيرة، لا تؤثر سلبا على رفاه المواطن ولا على نمو الاقتصاد، بل يمكن النظر إلى هذه الظروف الصعبة على أنها فرص للإصلاح الاقتصادي الحقيقي.
نقلا عن الوطن