رؤية السعودية 2030 طموحة في حدّ ذاتها، تهدف إلى إحداث تحول جذري في الاقتصاد، عن طريق زيادة معدلات النمو، وتنويع القاعدة الإنتاجية ودعم مصادر الدخل الحكومي. والأهم من ذلك، رفع قدرات المواطن السعودي وزيادة إنتاجيته ومساهمته في سوق العمل وفي التنمية، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكبر في النشاط الاقتصادي.
الاقتصاد السعودي هو أكبر اقتصاد عربي، ومن أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يحتل المرتبة (19) عالمياً من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ العام الماضي نحو (750) مليار دولار (2.8 تريليون ريال سعودي). وبين دول مجلس التعاون يشكل نحو نصف الاقتصاد الخليجي.
ولكن وضع رؤية السعودية 2030 في السياق الخليجي يمكن أن يحقق عدة أهداف إضافية، أولها تحقيق التناغم مع خطط التحول والتنوع الاقتصادي في دول المجلس الأخرى، والثاني تحقيق وفورات الحجم عن طريق مضاعفة حجم السوق. والثالث تعزيز التكامل بين دول المجلس وزيادة الترابط بين مواطنيها وقطاع الأعمال فيها.
وهذا التناغم أو الانسجام بين خطط دول المجلس (أو ما يُسمّى بـ synergy) يمكن أن يساعدها على تجاوز الظروف الاقتصادية الحالية، حيث تمر معظمها بظروف مشابهة لظروف المملكة، ووضع أسس صلبة للتحول من الاقتصاد النفطي - والريعي عموماً - إلى اقتصاد طبيعي متنوع في الصناعة والزراعة والخدمات، وتحقيق ذلك خلال فترة زمنية أقصر مما لو سعت كل دولة إلى التحول بمفردها.
ومن حسن الحظ أن مجلس التعاون قد أقر في شهر ديسمبر 2015 الرؤية الشاملة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين لتعزيز العمل الخليجي المشترك، ويجري العمل حالياً على تنفيذها، حيث حدد المجلس الأعلى نهاية عام 2016 حدا أقصى لتنفيذ ما ورد في رؤية خادم الحرمين الشريفين.
وتهدف رؤية خادم الحرمين الشريفين لتعزيز العمل الخليجي المشترك إلى استكمال خطوات التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والأمني بين دول المجلس، وهي في ذلك تتقاطع في عدد من المجالات مع رؤية السعودية 2030. وسأتطرق اليوم إلى بعض هذه العناصر التي يمكن من خلالها تسريع تحقيق أهداف هاتين الرؤيتين.
من أهم العناصر المشتركة بينهما السعي لزيادة حجم الاستثمار والتبادل التجاري ومساهمة المواطن في الاقتصاد. ويمكن أن يتحقق ذلك من استكمال كافة متطلبات الاتحاد الجمركي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة، اللذين يهدفان إلى تحقيق وحدة اقتصادية متكاملة بين دول المجلس.
ولذلك تنص رؤية خادم الحرمين الشريفين على استكمال ما تبقى من خطوات تنفيذ الاتحاد الجمركي وفقاً للمادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، وتضع الرؤية إجراءات محددة لتسهيل إجراءات المنافذ الجمركية بين دول المجلس تمهيداً لإلغائها مستقبلاً.
وتنص المادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية على تبني تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، وإزالة التعرفة الجمركية بين دول المجلس، وتبني أنظمة وإجراءات جمركية موحدة، واعتماد "نقطة الدخول الواحدة" يتم عندها تحصيل الرسوم الجمركية. كما تنص الاتفاقية على "انتقال السلع بين دول المجلس دون قيود جمركية أو غير جمركية"، و"معاملة السلع المنتجة في أيٍّ من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية".
وحين دخل الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ في يناير 2003، تم الاتفاق على وضع "فترة انتقالية" لمدة 4 سنوات، انتهت بنهاية 2006، بحيث يتم الانتهاء من جميع متطلبات الاتحاد الجمركي خلال تلك الفترة. ولكن تلك الفترة تم تمديدها عدة مرات منذ ذلك الوقت.
ولذلك فإن رؤية خادم الحرمين الشريفين تهدف إلى إنهاء هذه الفترة الانتقالية التي امتدت 13 عاماً، بحيث يتم تطبيق الاتحاد الجمركي بشكل كامل وفقاً للاتفاقية الاقتصادية.
وكما يهدف الاتحاد الجمركي الخليجي إلى تسهيل التبادل التجاري بين دول المجلس، فإن السوق الخليجية المشتركة تهدف إلى زيادة حجم الاستثمارات وتمكين الشركات والمؤسسات الخليجية والمواطنين من ممارسة النشاط الاقتصادي في أي من دول المجلس، أي التعامل مع دول المجلس كسوق واحدة.
ولذلك تنص رؤية خادم الحرمين الشريفين على استكمال ما تبقى من خطوات تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، بتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية، وفقاً للمادة الثالثة من الاتفاقية الاقتصادية، التي تنص على أن "يُعامَل مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية".
ويدخل في ذلك التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية. وتملّك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
وقد تم الإعلان عن السوق الخليجية المشتركة في ديسمبر 2007، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يناير 2008، وتم التنفيذ بالفعل للعديد من عناصرها، ولكن تفعيل ذلك على أرض الواقع لم يتم على النحو المطلوب في جميع المجالات.
وقد تبنت دول المجلس عدداً من الرؤى المستقبلية للتحول الوطني والتنوع الاقتصادي، وهي متشابهة في خطوطها العريضة، وتتفق إجمالاً مع مبادئ وتوجهات التكامل الاقتصادي وأدواته التي استهدفت تعزيز التكامل والتحول الاقتصادي في إطار مجلس التعاون.
من المؤكد أن جميع هذه الخطط والرؤى يمكن أن تستفيد من تحقيق سوق خليجية واحدة، وسأتناول في مقال قادم تفاصيل من رؤية السعودية 2030، واقتراح آليات لتحقيقها في إطار التكامل الخليجي.
نقلا عن الوطن