من المؤكد أن العودة القوية لأداء البورصة القطرية في الأسبوع الماضي لم تأت من فراغ، وإنما جاءت نتيجة لعاملين أساسيين أولهما إدراك المتعاملين بأن أسعار الأسهم قد هبطت بما فيه الكفاية وأنها باتت جذابة ومغرية للشراء،،، وثانيهما أنها تزامنت مع صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي القطري لفترة الربع الأول من العام، والتي أظهرت نمو الناتج الحقيقي -أي بالأسعار الثابتة- بمعدل 6,2% على معدل سنوي.
ووفقاً لتعقيب سعادة وزير المالية على البيانات، فإن هذا المعدل يعتبر من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم في الوقت الراهن. فما هي العلاقة بين عودة الاقتصاد إلى النمو بقوة، وارتفاع مؤشرات البورصة؟
المعروف أن الاقتصاد له وجهان وجه حقيقي يتمثل في أرقام الناتج من كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، وأولها قطاع النفط والغاز الذي يشكل أكثر من 54% من الناتج المحلي الإجمالي القطري، ثم قطاعات الصناعة التحويلية، والتشييد والبناء، والنقل والمواصلات، والكهرباء والماء، والمال والتأمين، والخدمات الحكومية، وغيرها.
أما الوجه الآخر للاقتصاد فهو ما ينتجه الاقتصاد في سنة ما من معاملات مالية تتجلى في الصادرات والواردات وصافي الحساب الجاري للدولة مع العالم.
وينعكس التحسن في الناتج على تعاملات البورصة القطرية بالارتفاع إذا كان هناك نمو وانتعاش أو بالانخفاض إذا كان هناك تراجع وانكماش. وتاريخياً عرفت بورصة قطر وكافة بورصات العالم هذه العلاقة الوثيقة بين النوعين،، ولعلنا نذكر كيف ارتفعت المؤشرات بشدة في عامي 2007 و 2008 ثم كيف انهارت في عام 2009.
وفي قطر كان من المعروف أن الناتج المحلي الإجمالي سيتباطأ بعد عام 2011 بعد وصول مشاريع إسالة الغاز إلى مستوياتها المستهدفة، وأن يعتمد النمو بعد ذلك على نمو القطاعات غير النفطية، وعلى تنفيذ مشاريع البنية التحتية، وما يرتبط بتنفيذ مشاريع المونديال.
وقد عايشنا لذلك فترة من الركود في أداء البورصة في الفترة ما بين منتصف عام 2011 إلى منتصف 2013 حيث استقر المؤشر العام أثناءها ما بين 8100 إلى 8800 نقطة، عندما كان النمو الاقتصادي الحقيقي- أي بالأسعار الثابتة في حالة تراجع حتى وصل إلى 3,5% تقريباً في عام 2013.
وكانت حركة الانتعاش القوي لأداء البورصة منذ صيف العام الماضي استباقاً لعودة معدل النمو الحقيقي إلى الارتفاع من جديد، وهو ما تحقق في الربع الأول من هذا العام بوصوله إلى معدل 6,5%.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معدل نمو إنتاج قطاع النفط والغاز قد تراجع في هذه الفترة بسبب انخفاض معدلات الإنتاج من النفط والغاز وتراجع الأسعار العالمية لأسباب موسمية.. وكان نمو انتاج القطاعات الأخرى قوياً وبنسبة 11,5%،، مما ساعد في رفع نسبة النمو الكلية لكل القطاعات إلى 6,2%.
وقد ذكر تقرير وزارة التخطيط التنموي والإحصاء أن سبب ارتفاع معدل النمو في القطاعات غير النفطية عائد إلى ارتفاع واضح في أنشطة البناء والتشييد والتجارة والفنادق والمطاعم والخدمات المالية، مع زيادة في عدد السكان بنسبة 9,2%.
الجدير بالذكر أن معدلات النمو الحقيقي في العالم لا تزال منخفضة حيث كانت أقل من 2% في الولايات المتحدة وأقل من 1% في منطقة اليورو،، و 1,5% في اليابان، و 3,5% في منطقة البريكس التي تضم روسيا والهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا.
وحدها الصين كانت لا تزال تحقق أعلى المعدلات حيث بلغ نمو اقتصاده 7,7% في عام 2013، وإن كانت هناك مخاوف بأنه قد تراجع في الربع الأول من هذا العام عن هذا المستوى.
وعلى ذلك فإنه عندما تعلن قطر أن اقتصادها قد حقق أعلى معدل نمو في العالم في الربع الأول من العام، مع كون بورصتها قد ارتقت في تصنيفات المؤسسات الدولية كمورجان ستانلي وستاندرد آند بورز إلى سوق ناشئة، فإن التراجع القوي في أسعار الأسهم والمؤشرات في شهر يونيو،، كان لا بد أن يولد ردة فعل قوية لدى المتعاملين بإقبالهم على شراء الأسهم مجدداً...وحتى اللحظة جاءت ردة الفعل من الجمهور القطري ومن المحافظ القطرية،،، وكانت المحافظ الأجنبية غائبة عن الميدان،، وهو ما يؤكد على حقيقة أن الخير كله في قطر وأهلها وأنهم قادرون على إنعاش بورصتهم إذا ما تم تنفيذ المزيد من الاكتتابات بما يعكس قوة الاقتصاد القطري وتبوء نموه أعلى المعدلات على مستوى العالم في الربع الأول.