سيرة السلف الصالح من رجال الأعمال مغرية بالاستماع وبالمعاني والدلالات التي تستحق إعادة البث في ذاكرة الأجيال الصاعدة، ومن الذين استمتع بتجاربهم أجدادنا سعيد وعبد الله رحمهما الله وكثيراً ما أتأمل في أساليبهم في التصدق بأبعاد اقتصادية سابقة على زماننا وتتفق ومقاصد الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية فقد سمعت أنهما كانا يشجعان الصدقة على أساس دورها التنموي وليس على أساس الاتكال على الغير والوقوع في فخ التبطل والتعطل والقعود بالبيت في انتظارها ومن الحكي الموثق، أنه بعد إنتهاء العمل في مكاتب الشركة يأمرون من يمر بالسوق ليشتري باقي بضاعة الخردوات والخضار من صغار الباعة لأنه حينها لا توجد مستودعات مبردة لخزن ما لا يستطيعون بيعه، ويتم هذا الإجراء دون أن يقال للبائع أن الشراء بهدف التصدق به وهو ما يتفق ومقاصد التوجهات النبوية الكريمة لأنه يصطاد عصفورين بحجر يقوي الوضع الربحي للبائع الصغير وينمي تجارته وفي نفس الوقت يسد حاجة من لا يستطيع أن يجد قوت يومه وأراه يكاد يندرج في توجهات سلفنا الصالح من الذين كان لما يأتيهم طالب المال يقولون أهلاً بمن ينقل أموالنا من دار إلى دار، أي أن المال الذي نتصدق به، ينفع الفرد وينتقل أجراً حسنا من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية وهو فهم دقيق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها، إلا زاده الله بها عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر»
هذا التوجه في فهم المقاصد الخيرة للصدقة نحتاجه في وقتنا الحاضر لأنه يحيلنا لمعاني الصدقة في مفهومها الإسلامي الأعمق كمعادلة اقتصادية غاية في النفع من حيث تنمية أبواب الخير وتحقيق الاستدامة وزيادة تمدد الطبقة الوسطى ورفع جودة الحياة بتوفير العيش اللائق الكريم للفرد وإزالة بواعث الحسد والبغضاء والكراهية بين الناس وفي المجتمعات الإنسانية عموما وحين تحل محل الفقر والبغضاء والحسد هذه المعاني الدالة فإن المال الذي رزقنا يصبح هبة من الله لنا ونحن مستخلفون فيه فمتى التزمنا بمعادلة الاستخلاف تحققت استدامته وتحقق دلالات أن الصدقة لا تنقص من مال العبد وتحضرني قصص آل البيت وقصة الشاة وكتفها، التي وردت في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لما ذبح الرسول صلى الله عليه وسلم الشاة وأمر بالتصدق بها جميعاً، فلما سأل السيدة عائشة قالت ذهب كلها إلا الكتف، فقال صلى الله عليه وسلم: «بقي كلها إلا الكتف» وما أعظمه من حديث ومن مقصد يوضح معاني الصدقة التي لا تنقص من مال.
وفي مقابل ذلك هناك صورة مغايرة تعكس التهافت على اكتناز المال ثم بعد الحصول عليه الإحجام عن الصدقة مما يجسد غياب استيعاب الدور التنموي للصدقة ولا شك نعرف مآل الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله.
المسلم يدفعه وازعه الديني وضميره للقيام بأداء الصدقة لأنه يعرف أنها جزء مكمل لاعتقاده الصحيح ومع ذلك هناك من يبخل لأن الإنسان في كل بيئة هو الانسان ولكن في هذه الدنيا رأينا عجائب وعبراً ومواعظ من الذين يمتنعون ورأينا الخير العميم الذي يتدفق على الذين ينفقون.
وخلاصة القول إن الاستيعاب الصحيح للصدقة ودورها الوظيفي يعكسه الفهم الصحيح بزيادتها ولكن في قنواتها التي تدفع للعمل وللإنتاج ولتنمية المؤسسات المتناهية الصغر مما يحقق المعنى أنها لا تنقص من أموالنا بل تنميها من حيث ارتفاع مبيعاتنا ومن حيث انعكاسها عافية في أبداننا و الصحة النفسية للمجتمع وتلقائياً لأصحاب الأموال.
نقلا عن المدينة