لو رجعنا إلى الوراء قليلا وسألنا أجدادنا: ما أنواع الوظائف في عصرهم؟ أظن أن أحدهم سينظر لك بعين الدهشة والاستغراب، حيث إنه لا توجد وظائف في عصرهم الجميل كما نشاهد اليوم، لأن المجتمع في ذلك الزمن يعمل أعمالا حرة في وكل يعمل بما يتقنه ويحتاجه أهل القرية أو المدينة.
ولأن والدي - يرحمه الله - من جيل النصف الأول من القرن الماضي فقد أخربني انه لا توجد وظائف، والناس متنوعون في مصادر رزقهم، كل يعمل حسبما يتقن ويحتاجه مجتمعه، ولا يعرفون مصطلح البطالة في عصرهم.
حتى أتت الوظائف بعد بناء الدولة، وفهمت بشكل سلبي عند الأغلب وصار الأصل أن يتوظف الجميع، بل إن من يعمل في مشروعه عاطلا في نظر مجتمعنا.
وقد رفض أهل فتاة شابا أقدم على الزواج من ابنتهم ولديه مشروع يدر له دخلا أفضل من الوظيفة لو توظف بمؤهلاته الدراسية، والسبب لأنه ليس لديه وظيفة.
ويمضي الشاب قاعدا في بيته بكامل صحته ومؤهلاته والفرص عن يمينه وشماله ولا يكترث بها، لأنها من وجهة نظر المجتمع ليست المعيار الرئيس لتقييمه والحكم على عضويته الايجابية في المجتمع، حيث إن المعيار هو الوظيفة.
وللأسف يتخرج الشاب في الثانوي أو الجامعة ولا يفكر في العمل الحر إلا بعد حصوله على الوظيفة، ولو تأخرت الوظيفة سنوات يبقى عاطلا باحثا عن الوظيفة.
وحينما يتوظف الشاب ويستقر في وظيفته أيا كان دخلها يبدأ في تأسيس مشروعه الخاص الذي يحقق فيه رغباته وذاته.
لذا فإن نشر ثقافة العمل الحر في مناهج التعليم وفي البرامج التلفزيونية وبرامج وفعاليات الأحياء وفي كل وسيلة ممكنة ضرورة لتصحيح مسار المجتمع وتوازنه وليخدم بعضه بعضا كما قال ربنا: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا).. سورة الزخرف آية 32.
وعليه فان العمل الحر هو الأساس، والوظائف تأتي في المرتبة الثانية.
والعمل الحر له قواعد وركائز يجب الأخذ بها والانتباه لها ليؤتي هذا العمل ثماره ويسير نحو أهدافه، ومن القواعد التي على المبادر الأخذ بها قبل الانطلاق ما يلي:
1- كل ميسر لما خلق له .. اكتشف ذاتك وتعرف على شخصيتك وهل ريادة الأعمال والعمل الحر مجالك أو تميزك سيكون في الوظيفة أفضل، ولو انتقلنا جميعا إلى العمل الحر فكيف نأتي بموظفين في هذه الأعمال؟
فالناجحون وظيفيا قد لا ينجحون في العمل الحر والتجارة، والناجحون في التجارة قد يأتون بالعجائب في العمل الوظيفي.
وأذكر أستاذا جامعيا أسس مشروعا تجاريا وفشل المشروع وباعه على محل خردوات (أبو ريالين) وأيقن الأستاذ أن التجارة ليست مجاله ورجع لإبداعه في نشر المعرفة وتخريج الأجيال.
وللمستثمر صفات وسمات يتصف بها دون غيره لعل أبرزها المغامرة، رباطة الجأش، القيادة، الالتزام والوعي.
2- اختر مجال الاستثمار الذي تعشقه وتحبه، لأنك ستقضي أكثر ساعات يومك فيه ومعه وتأتيك الأفكار التطويرية والتجديدية تلقائيا.
ولو كنت لا تحب هذا المجال واستثمرت فيه، لأنه مجد اقتصاديا فقط، فلن تبدع وتطور فيه، وستضطر لاحقا للتخلص منه ببيعه أو إغلاقه.
وقصة مشروع فطور فارس أقرب مثال، ويمكن الرجوع له من خلال هذا الرابط: http://www.f6orfaris.com
3-دراسة الجدوى للمشروع كالمنظار الذي يستشرف لك المستقبل فان أظهرت نتائج الدراسة عدم جدوى المشروع أو ضعف الأرباح فلا تنساق خلف العاطفة.
4- اعرض فكرتك على مخالفيك في الرأي دائما من معارفك وأصدقائك، ليصقلوا لك الفكرة ويظهروا عيوبها ونواقصها التي لا تراها وتقوم بمعالجة العيوب أو تغيير المسار تماماً.
5- إذا انطلق المشروع وتفاجأت بأن الخسائر أو الأرباح لا تتوافق مع الجهد المبذول وليس من وسيلة لإنعاش المشروع، فكن شجاعا وأوقف النزيف وأعلن إغلاق المشروع بأقل الخسائر.
6- لا تستثمر في الأسواق المغادرة، بسبب التقنية أو القرارات الحكومية أو الظروف السياسية، ومن أمثلة ذلك: صناعة الـ «سي دي» ليست بوهجها وقوتها كما هو الحال قبل سنوات لتوافر البدائل التقنية.
7- اعرف تفاصيل التفاصيل وأدق الدقائق في مشروعك وسلم موظفيك العمل كي لا يأتي الشيطان إلى نفوسهم، ويظنوا انك غير ملم بالمشروع،
ومما يذكر أن الشيخ صالح كامل حينما استثمر في البريد، سافر بنفسه إلى جميع مدن المملكة كي يحسب المسافة بين المدن، وكم تستهلك السيارة من الوقود، ليعطي الموظف مصروف الوقود الصحيح ولا يعتمد على مصادر غير أكيدة.
8- يجب ألا يكون هدفك الافتتاح، بل الاستمرار، فمن السهولة أن تفتتح أي مشروع، لكن النجاح الحقيقي هو الاستمرار.
9- استشرف السوق واقتنص الفرص، بل واصنع الفرص، لان المبدعين قليلون وأهل التكرار كثر،
فكم من المنتجات والخدمات موجودة في بلدان أخرى ومثمرة اقتصاديا ولم يتجرأ أحد على جلبها للأسواق السعودية، فالمقلدون ينتظرون من يبدأ أولا ليلحقوا به، وكن أنت القائد وليس المقلد.
10– ابدأ بحجم الإمكانات المتوافرة ولا تنتظر السنين حتى تتوافر الإمكانات فقد لا تتوافر، وأذكر شابا لديه فكرة مشروع مصنع لحوم ولا يتوافر لديه ربع الإمكانات وطافت عليه السنوات، ولم يبدأ مشروعه، ولم يغير فكرته أو يجزئها على مراحل، يقول المدرب القدير أ. عبدالباسط السفياني: «يجب التخلص من التعلق العاطفي بالفكرة».
وفعلا بعض الشباب متعلق بفكرته عاطفيا ولا يتعامل بعين العقل، فليس الذي تحول إلى فكرة أخرى وليس الذي جزأها وبدأ مشروعه حسب إمكاناته.
11– الفرص البديلة، قبل إطلاق مشروعك، فكر في الفرص البديلة، وهل توجد فرص بديلة لهذا المشروع بنفس المال والجهد وتناسب ظروفك وتعطي نتائج أفضل؟ فإذا كانت كذلك فحول المسار إلى الفرص الأجدى.
أخيراً: اعقلها وتوكل.
نقلا عن اليوم