البطالة تلك الكلمة المستعصية على فهم العديد، والسبب في عدم فهمها أن الجميع يحاول معالجتها من خلال العناصر المكونة لمعدلها فتجد كثيراً من الدول تُوجد وتخلق مزيدا من المحفزات لرفع Labor Force Participation Rate معدل المشاركة في القوى العاملة او زيادة معدل التشغيل (Employment Rate) او تخلق وظائف جديدة وتطرح في السوق الفعلي ويبدأ كل خبير بمحاولة رفع هذا العنصر وخفض الآخر, لكن لا تأثير يذكر على الهدف الرئيسي، ويستمر العديد من الخبراء بمحاولة إيجاد التركيبة الصحيحة لكي ينتج خفض فعلي وواقعي في معدل البطالة، برائي المتواضع أن هناك عنصران رئيسيان يؤثران بقوة على ذلك المعدل , أحدهما لا أرى فائدة من ذكره لأنه في تقلص سواء شئنا أم أبينا لأنه مرتبط مع التقنية الحديثة والتطور الذي نراها فيها يوماً بعد يوم. أما العنصر الأهم والذي سأفرد له هذا المقال هو معدل غلاء المعيشة, - أعرف أن كثيرا منكم سيتوقف عن قراءة المقال بعد ذكري لهذا المعدل- لكن دعوني أتعمق في شرح ما أظنه سبب لأي معضلة في معدلات البطالة.
أولا سأفترض أن الجميع ملم بكيفية تكوين معدل غلاء المعيشة وان هذا المعدل هو الذي يجعل مثلا ( مدحت ) يقبل براتب 1500 ريال في مدينة مثل الرياض بينما لا يستطيع (فهد) القبول بنفس المبلغ رغم أنهم يعيشون في نفس المدينة، ولكي أوصل الفكرة التي تجول في عقلي, يجب أن تعرف أمر جوهري في قائمة الدول المرتبة بواسطة ارتفاع معدل غلاء المعيشة COL فالقائمة افتراضياً سأقسمها لكم إلى ثلاثة أقسام : A وBوC ,حيث C هي للدول منخفضة معدل غلاء المعيشة وغالبا هي دول فقيرة مثل مصر وباكستان وهي غالبا تحت 30 كمعدل , ويأتي يليها معدلات ما بين 30 الى 60 وهي دول الخليج والدول التي تضم أكبر قدر من العمالة الوافدة , ثم ما فوق الـ 60 وهي الدول المرتفعة المعدل مثل أمريكا وسويسرا.
ولكي تصلك الفكرة تماما سأقول لك أن مواطنيّ قسم C يقفزون للعمل في قسم B ويعلمون كعمالة مؤقتة تصل أحيانا الى 40 سنة في دول قسم B والإشكالية المرافقة أن قسم C لا يدعم الاقتصاد بصورة كاملة كما لو أن مواطنا من قسم A قدم للعمل في B لأن تلك الدول لا يخرج مواطنوها لأي قسم أدناهم إلا لكي يستقروا استقرارا كاملاً وأن لم يستقروا فهم على خط واحد مع نفس رتم غلاء المعيشة للدول المستضيفة لهم .. وليس هذا بيت القصيد.. السؤال الأهم والجوهري هو كيف أن مواطن من دولة ذات معدل غلاء معيشة C ينتقل للعمل في دولة ذات معدل غلاء معيشة أعلى B ومع ذلك يوفر مالاً أكثر بعشرات المرات من فرق المعدلين بين الدولتين. فمعدل غلاء المعيشة بمكوناته الرئيسية المؤثرة مثل معدل الإيجارات وقدرة التملك ومعدل القوة الشرائية قد يتم التحكم به في مدينة مثل الرياض وجعله بنفس معدل القاهرة مثلا, طبعا لغير المواطنين. هل لاحظت سابقاً أن هناك بعض السلع تباع لك كسعودي أغلى من أن تباع لجنسية أخرى.
هل تظن أن الهدف فقط هو التربح من جيبك؟ لا فالغرض الأهم هو أن يخلق بؤر ذات معدلات غلاء معيشة متدنية مناسبة لغير المواطنين داخل مدن ذات معدلات غلاء معيشة متوسطة والأمر سيكون ممتازاً لو أن الفئة المستهدفة كانت جميع الناس ( مواطنون وغير مواطنين ) لذلك يجد مواطنيّ تلك الدولة B مثلا صعوبة في الاستمرار في وظيفة معينة لأن التكاليف المحيطة به تأخذ أكثر مما تعطيه الوظيفة, بينما عامل الدولة C يجد هذه الوظيفة كنز لأنه يعيش منها بريال ويحول لدولته ألف ريال، ووجود هذه البؤر هو مؤثر كبير جداً في معدل البطالة وخاصة لمواطني الدول وهم الأكثرية بطبيعة الحال.
وإذا فهمت هذه الفكرة سيتبين لك المغزى الذي يجعل دول قسم A ذات تشدد في ضبط الأسعار الشرائية والإيجارات فلا تكاد تجد شذوذ عن المعدل الوطني لهم، لأن أي تراخي في ذلك سيخلق بؤر تدني لمعدلات الغلاء المعيشية, مع استبعاد أمريكا طبعاً لأن المستوى القياسي لكامل معدل غلاء المعيشة هي مدينة نيويورك فالأمر سيان لديهم.
لكن هذا التشدد في الضبط في دول A وجعل المعدل لا يختلف من الداون تاون عن التوب تاون هو أحيانا بديل عن موظفي الجمارك والهجرة وبديلا عن رسوم غير المواطنين وعن مبادرات خفض معدلات البطالة , فهم يعلمون أن أي هجرة من دول C و B ولو كانت بكميات كبيرة لن تستطيع الصمود أمام هذا المطرقة الاقتصادية التي تكسر العظم, فتجد الكثير يعودون من حيث أتوا ولا يبقى ألا النخب الفكرية أو المحترفة التي تنال الوظيفة التي تجعلهم يصمدون هناك.
في النهاية حاولنا تشخيص المشكلة وفهم المعضلة فمتى ما اوجدنا الحلول التي تجعل السماء اذا امطرت فهي تمطر على الجميع فنحن بإذن الله سنكون على مسار سيخلق مزيدا من الفرص ويفتح افاق من المستقبل المزهر.
خاص_الفابيتا
صبراً جميلااً والله المستعان