يحتاج ما حدث في بورصة قطر في الأسبوع الماضي بوجه عام ويوم الخميس بوجه خاص إلى مقال آخر في محاولة لتحليله واستيعاب ما حدث فيه، وقد وصفته في مقال الجمعة بأنه كان زلزالا بتسع درجات على مقياس رختر، باعتبار أنه قد حطم كثيراً من المستويات المتعارف عليها في التحليل المالي....وربما كان من الأدق وصفه بأنه كالسيل الجارف الذي اجتاح السدود والحواجز.
فلم يكن من المعتاد أن يتم تداول 4,5 مليار ريال في يوم واحد، رُبعها تقريباً أو 23,4% على سهم واحد هو سهم الريان، وأكثر من 61% أو نحو 2813 مليون ريال على تداولات خمس شركات فقط هي الريان والوطني وأوريدو وصناعات وبروة، وترتفع النسبة إلى 81,5% لأعلى 8 شركات بإضافة فودافون والمصرف والكهرباء.
ولم يكن من المعتاد أن ترتفع أسعار الأسهم في بورصة قطر في هذا الوقت من السنة بعد توزيع الأرباح والإفصاح عن نتائج الربع الأول، فما بالك أن ترتفع لمت أب أو قريباً منه ولأكثر من مرة!! فقد تكرر ذلك مع الريان ومن قبل مع مسيعيد وأزدان وغيرها.
ولم يكن من المعتاد في الظروف العادية أن يقفز المؤشر بمثل هذه المعدلات الكبيرة أي بمئات النقاط في الوقت الذي وصل فيه إلى أعلى مستوى تاريخي له قبل شهر.
وإذن،،، نحن أمام أداء غير عادي بكل المقاييس، وربما نجد تبريرا لما حدث إذا رجعنا إلى التوجيهات الصادرة عن حضرة صاحب السمو الأمير المفدى، إذ سنجد أن بعضها كان قابلاً للتطبيق فوراً ومنها؛ اعتبار حصة الأجانب من إجمالي الأسهم الصادرة وليس القابلة للتداول فقط، مع خروج مستثمري دول مجلس التعاون من قائمة الأجانب وإضافتهم للمواطنين، بينما علق سموه رفع النسبة إلى 49% لحين اعتماد ذلك من الجمعيات العمومية للشركات، ولحين تعديل القوانين المنظمة لدى الهيئات الرقابية.
وعلى ذلك فإن سهم الريان قد تمتع بوضع خاص في الأيام الماضية نظراً لأن جمعيته العمومية قد سبق لها أن رفعت النسبة إلى 49%، وبالتالي أصبح من أوائل الشركات الجاهزة لاستقبال الأجانب يوم 2 يونيو القادم بعدد وافر من الأسهم.
ولأن أحجام التداولات المطلوبة على سهم الريان، كانت أعلى من السيولة المتاحة في السوق، فإنه قد جرت على ما يبدو عمليات بيع لأسهم من محافظ أخرى كانت أسعارها غير مرشحة للارتفاع السريع في هذه الفترة ولعل في مقدمتها سهم وقود بالدرجة الأولى، يليه أسهم شركات مسيعيد والوطني وصناعات.
ولأن عملية التعديل المطلوبة من جانب الشركات المدرجة لم تتم لمعظم الشركات حتى اليوم، فإن الضغط على سهم الريان سيكون مبرراً ومنطقياً مع دخول البورصة هذا الأسبوع في عداد الأسواق الناشئة.
ولكن هناك معطيات أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار منذ الغد، وهي المستويات الراهنة لمساهمات الأجانب الفعلية والحصص المتاحة لهم فعليا...فحتى يوم الخميس الماضي كانت النسب المستغلة من جانب الأجانب في الشركات العشرة المعتمدة من مورجان ستانلي في حدود 22,30% في أوريدو، و 15,57% في الريان و 15,32% في التجاري، و 13,11% في بنك الدوحة، و8,86% في الكهرباء، و 7,31% في بروة وأقل من ذلك في صناعات والوطني وفودافون والمصرف.
ومن جهة أخرى فإن مكرر الربح لأي سهم سيكون عاملاً مهماً في تحديد مدى الإقبال على شراء سهم ما أو الإدبار عنه....فمكرر الريان قد ارتفع إلى 28,37 مرة ومسيعيد إلى 40,8 مرة، والخليج الدولية إلى 23,8 مرة، والمصرف 18,8 مرة وأوريدو 18,69 مرة وصناعات 16,21 مرة، ووقود 14,42 مرة والوطني 13,03 مرة.
وبالتالي فبمنطق التحليل المالي فإن الأسهم الثلاثة الأخيرة أكثر جاذبية للشراء من بقية الأسهم المشار إليها. الجدير بالذكر أن مكرر الربح المتوسط لكل الشركات هو 17,28 مرة، وهو بدوره أعلى من المستوى الآمن الذي هو 15 مرة.
وخلاصة ما أود أن أشير إليه أن تغير قواعد السوق ودخول معطيات جديدة قد جعل المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية يصعب التنبؤ فيها بما سيجري لاحقاً، والسبب في ذلك أن المعلومات ليست متاحة للجميع بنفس القدر في وقت واحد، فمن كان على علم بما سيتم من تغييرات يجري الإعداد لها هو أقدر من غيره على التنبؤ بما يمكن أن يحدث في السوق من تقلبات، بينما يتصرف باقي جمهور المتعاملين وفق القواعد المتعارف عليها،،، أو يلجأ البعض منهم إلى تغيير مراكزه بسرعة وفق اتجاهات السوق، ومن هؤلاء من يلحظ كمية الطلبات على سهم معين، وسرعة ارتفاع السعر أو انخفاضه كي يقرر اللحاق بالركب دونما اكتراث بمبررات ما يجري، أو مدى اتفاقه مع المنطق وأساسيات التحليل المالي.
إن المرحلة الحالية تبدو غير متوازنة وبقدر ما تتحقق فيها أرباح كثيرة لبعض المتعاملين، فإنه قد تتحقق خسائر أكبر لآخرين... ومن المؤكد أن هذا الحال لن يدوم... وسيعود الاستقرار للسوق بعد أن ينقشع غبار ما يجري.... ولا بد للجهات المسؤولة أن تعمل على تحقيق الاستقرار المنشود بحيث يكون النمو في المجاميع تدريجياً ومستداماً لا أن يكون فجائياً وغير دائم.